كان من أثر احتكاك مصر بالغرب الحديث أن تغيرت قيم طائفة من مثقفيها في مناحي الحياة العلمية والعملية، فإذا نظرنا من وجهة نظر أدبية، رأينا أن هذا الأثر - الاحتكاك بالغرب - قد أثر كثيراً في الأدب الحديث. .
ففي الربع الأول من هذا القرن، نشب ما يشبه المعركة بين طائفتين، أو مدرستين، من الأدباء. . . طائفة تمثل مطمح المصريين إلى حياة أدبية قومية، عناصرها الروح المصرية المتطورة بالاحتكاك بالغرب، النافضة آثار الروح العربية التي سرت فيها قروناً. . . وطائفة لا تزال مستمسكة بعناصر الروح العربية: لغة، ومعنى، وثقافة، ومذهباً. .
وكانت الطائفة الداعية إلى التجديد يعتمل فيها ما يشبه الثورة على الأدب العربي، وما يشبه الانتصار للآداب الغربية.
فإذا عرفنا أن أصحاب الدعوة إلى التجديد في الأدب كانوا ينتصرون لاستعمال العلمية، إذا لزم الأمر، محافظة على روح التعبير وواقعيته، عرفنا إلى أي حد لم يتحقق أملهم، حتى اليوم في إيجاد وتكوين الأدب القومي المنشود الذي ينسجم مع هذه الدعوة. . . اللهم إلا فيما ندر اتفاقه لأديب مصري ممتاز، كتوفيق الحكيم مثلاً، الذي تلمس المصرية الحقة القحة واضحة جلية تكاد تصيح في حيوية أسلوبه الرشيق، وتشبيهاته البيئية الصحيحة، التي نورد منها الآتي:(هذه الفتاة قلبها مثل دغل البوص.) تشبيه مصري
(ووقع العمدة بخطه الذي يشبه نبش الدجاج.) تشبيه منزلي مصري
زد على ذلك غزارة التشبيه عند الحكيم، ممثلاً بهذا التعبير المصري، فالمصريون يكثرون من استعمال حرف (زي) الذي يسبق التشبيه. . . كما ترى في أدب الحكيم إقبالاً على استعمال الألفاظ العامية، خاصة في حواره. . ومن المسلم به أن لكل فنان جمهوره، وكلما كان جمهور الفنان عديداً كلما كان لرسالته في الحياة قيمة عملية فعالة. . والفنان الحق مطالب بفهم عميق لدقائق النفس الإنسانية: خوالجها، ومنازعها، ونزواتها. . . وهو مطالب بعد ذلك بصدق التعبير وواقعية الأداء، بحيث يتمشى مع روح عصره. . فيخاطب الناس على قدر عقولهم وفهومهم، وعلى قدر استعدادهم اللغوي الذي يمكنهم من استيعابه وتدبره.