يستوي عندي غضب الغاضب ورضى الراضي. ولست أبالي بأولئك الحكام الذين أزعجهم فأقلقهم، وأثارهم فأغضبهم كلامي المستمد من الحقائق، وهي جارحة. وقد قلتها للشعب،
لا لمأرب ذاتي، ولغاية حزبية، بل أردته لسبب واحد هو (ضرورة إيقاف الشعب على الحقيقة) وهذا أول واجبات الكاتب.
صحيح أن الحقائق نسبية، وأن ليس كل ما يعلم يقال، والأصح من ذلك أن تكون الحقائق مجردة، والأذهان مهيأة، والخطط واضحة مبسوطة لمن كان حاله ووضعه كحال السوريين واللبنانيين ووضعهم على التخصيص، وحال ووضع شعوب دول الجامعة العربية بالنسبة لما هي منكوبة به من احتلال واقعي ومن تدخل وبسط سيطرة ونفوذ هو بمثابة احتلال مبرقع.
وإيقاف الشعوب العربية على الحقائق السياسية فرض محتوم وواجب مقدس، لا على الحاكم المسؤول الذي يريد أن يسير بأمته في طريق الإصلاح والتقدم والاستقرار فقط، بل هو أيضاً فرض محتوم وواجب مقدس على الكاتب الذي يعاون الحاكم بقلمه، وعلى قادة الرأي من الرجال العاملين والذين بمؤازرتهم، وعلى ضوء آرائهم يسير الحاكم بخطى وطيدة مع الشعب لتحقيق رسالته. بهذا تكون الصلة وثيقة، والروابط قوية بين الحاكم والمحكوم. أما إذا كان الحاكم غير ديمقراطي بالنزعة، وكانت له قواعد وقوانين دستورية كما هو الحال، وكان ممن يلبس الوجه البشوش والثغر الباسم للأجنبي المستقوي الطامع، ويطاطيء له الرأس كما هو الواقع، ويلبس للشعب جلد الأسد الهصور المكشر عن أنيابه، يعمل بالسر عكس ما يقول ويعلن، وكانت له صحافة طيعة المراس لينة العجينة، يتسابق كتابها في إيقاد أقلامهم فيجعلون منها نارا هادئة تحرق البخور العطر للحاكم وتظليلا للشعب كما هي الحقيقة، فقل السلام والرحمة على ذلك الشعب المسكين، وأعلم أن نكبته