للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النفس وخلودها عند ابن سينا]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة بكلية الآداب

- ٥ -

ليس تأثر ابن سينا بأفلاطون من الأمور التي تتطلب إثباتا جديداً، فقد فرغنا منه من قديم وأضحى واضحاً وضوحاً لا يقبل الشك. وإذا كان شيخ الأكاديمية قد استطاع أن ينفذ إلى فلاسفة الإسلام جميعا بالرغم من تعصبهم لأرسطو فان أثره في الأستاذ الرئيس اعمق، وملاءمته لتفكيره أتم واكمل. وقد بينا فيما سبق كيف قال ابن سينا بجوهرية النفس على نحو مما ذهب إليه أفلاطون. ونريد اليوم أن نوضح موقفه إزاء روحيتها فنهيئ بذلك فرصة أخرى لإظهار ما اشتملت عليه فلسفته من نزعات وآراء أفلاطونية.

ابن سينا روحي في طبيعته فالتغيرات الكونية ترجع في رأيه إلى قوى خفية تحدثها وتشرف عليها؛ روحي في طبه، إذ يعتبر النفس الإنسانية مهيمنة على كل الأجهزة والعصارات الجسمية؛ روحي في فلكه فإنه يذهب إلى أن الأفلاك والكواكب إنما تستمد قوتها وحركتها من نفوس خاصة موكلة بها؛ روحي في ميتافيزيقاه، ولا أدل على هذا من أن عالم ما وراء الطبيعة في نظره حافل بعقول قديمة أزلية كلها تفكير ونظر وتأمل؛ روحي أخيراً في أبحاثه السيكلوجية، بدليل أن النفس عنده هي كل شيء والجسم والحواس مجرد آلة لها وأداة. ونستطيع أن نقول أن فلسفته كلها تتلخص في مذهب روحاني تتجاذب أطرافه وتتناجى نواحيه وفيلسوف هذه نزعته لا يدخر وسعا في البرهنة على روحية النفس ولا يمل حديثاً كهذا، بل على العكس يعني به ويذهب فيه مذاهب شتى، فيلجأ تارة إلى بعض الأفكار الرياضية مستعينا بما فيه من لباقة ومقدرة جدلية ليحمل القارئ على التسليم بهذه الروحية. ويركن تارة أخرى إلى معلوماته الطبية. وملاحظاته السيكلوجية فيتخذ منها أدلة أخرى لا تقل عن السابق إفحاماً.

فيقرر أولاً أن النفس جوهر يدرك المعقولات والمعاني الكلية ويشتمل عليها؛ وجوهر هذا شأنه لا يمكن أن يكون جسما أو قائما بجسم، ذلك لأنا إن قلنا بجسميته لزم أن تحل

<<  <  ج:
ص:  >  >>