المدره الأفيق كبير زعماء الجزائر، وموحد اتجاهها السياسي، ومؤلف شتاتها، الأمير العظيم، العالم الشاعر الباسل عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى الحسني.
ولد بوهران سنة ١٢٢٣هـ في مهد العلم والتقوى، وتلقى علوم الشريعة والأدب والتاريخ والحكمة العقلية وغيرها، حتى حذقها، وتوفر على المثاقفة بالسلاح وركوب الخيل، فجمع بين السيف والقلم، واشتهر بالذكاء والفصاحة والطلاقة وسمو الفكر وقوة البدن وشدة البأس والإقدام وصلابة الرأي فيما يزمع والإخلاص وقوة الإيمان.
فعلقت به القلوب واتجهت إليه الأنظار، كل ذلك مع ما كان لأبيه وأجداده من المكانة الرفيعة في البلاد.
رحل إلى المشرق حوالي سنة ١٢٤١ مع والده وجماعة من أهله وحاشيته بقصد الحج، فمروا بمصر فأنزلهم محمد علي باشا منزلا كريما، ثم حجوا وزاروا المدينة المنورة والشام وبغداد، فأزداد عبد القادر بهذه الرحلة التي استغرقت أكثر من سنتين رسوخا في العالم وخبرة بالسياسة.
وفي أواخر عام ١٨٣٠م احتلت فرنسة عاصمة الجزائر، وأخذت تفكر في الاستيلاء على سائر القطر الجزائري، فبدأت الحرب بين أهل الجزائر والفرنسيين، واقتحم أهل وهران الحرب بقيادة السيد محي الدين، فبدأ في هذا القتال من بسالة عبد القادر ومواهبه الحربية وأصالة رأيه وثورة نفسه الإسلامية الحرة وإخلاصه لقضية أمته وبلاده وقوة أيمانه بصدق جهاده ما عقد به أماني الناس.
ولما أراد أهالي تلك البلاد مبايعة السيد محيي الدين أميرا عليهم اعتذر بعلو سنه، فبايعوا ولده عبد القادر عام ١٨٣٢م فاتخذ مدينة العسكر عاصمة، ولم شعث القبائل، وجمع الأمة كلها على معنى واحد لا يتغير، ودفعها بروح دينية واحدة لا تختلف، وجعل عرق الجهاد