ليست هذه حكاية من صنع الخيال، ولكنها واقعة صدق، أرويها عن راوية صادق ورجل مسئول:
سكيم وحكيم شابان من أهل الإمبراطورية السماوية المقدسة التي يسميها أهل هذه الدنيا غير المقدسة ببلاد الصين، نشآ في قرية من قرى مديرية (كانتون) ولازماها حتى بلغا سن الشباب الأول، سن العشرين، هذا باحتساب دوران الأرض واختلاف الليل والنهار، فانك كنت تراهما فتحسبهما بلغا الثلاثين أو فاتاها، وتحدق في وجهيهما الكالحين مليا فتجدهما مثقلين بهموم الأربعين والخمسين. وتلك المسحة الحزينة الكلحاء تجدها حيثما ضربت في بلاد الله فالتقيت بصبي شاب أو شيخ، دائما أبداً ذلك الوجه النحيل الشاحب المسكين الذي تكاد تقطر منه الصفرة والألم. اشترك سكيم وحكيم مع شباب أمتهم في حمل ذلك الوجه الكالح والحزين، وزاده كلاحة وحزنا فروض ثقيلة يفرضها الآباء من يوم يخلقون، فالابن دائما في طاعة أبويه ومن متاعهما، لقن صغيرا انه إنما خلق لخدمتهما وترفيهما وكسب معاشهما، وان وجوده في هذا العالم لا يبرره إلا التضحية لها بالنفس والنفائس.
وذات مساء ذهبا إلى حانوت القرية الصغير يشتريان من الأفيون أطيبه وأنضجه، ويتخيران منه أكثره تسكينا للطبع الثائر وتخديرا للمزاج الحاد، فقد كان اتفق في تلك الليلة أن أبويهما لم يكونا على أطيب حال وارحب بال، فالتقيا هنالك بعد غيبة أيام قليلة ملاتهما بالشوق الكثير، فرحب حكيم بسكيم، ورحب سكيم بحكيم، وتساءلا مليا في أدب كثير عن صحة أبويهما، ولما بلغا من ذلك ما طمأن بالهما وأقر خوفهما، انتقلا يصفان الزمن السيئ ويشكوان ضيق الحال، ويتأسفان على ما حاق بالقرية من الفقر والجوع وكان إلى جانبهما رجل من أهل الصفرة كذلك، إلا انه سمين بدين، وقد اضطجع على فراش من فرش الحانوت يهيئ لنفسه تدخيني الأفيون، وكان يستمع للشابين وشكاتهما، فلما بلغا من الحديث ما بلغا، شاء أن يتدخل فيأخذ بطرف من حديثهما فقال:
- نعم صديقي، إن في الزمن سوءاً، وان في الحال ضيقا، وكيف تقنع الروح فتهدا وتخلد للسلام والمعدة فارغة؟