- إن هذا الغريب المحترم لابد ان يكون فيلسوفا كبيرا لانه يتكلم بلغة الحكماء
وجرى الحديث بينهما وبين الحكيم المحترم، وبعد تحية تتلوها تحية، وشكوى منهما يتلوها تامين منه، وبعد ان ذكرا للغريب مرارا انهما وضيعان وحقيران لا يساويان خردلتين، تراءى للفيلسوف أن يفتح لهما عيبة حكمته ويدلهما على أقوم السبل واقر بهما للعناية بآبائهما الأشياخ حتى تنفرج الأزمة الحاضرة فذكر لهما جزيرة في ناحية من نواحي البحر المحيط يسكنها شياطين شقر من الهولانديين يقومون فيها بزراعة الطباق في مساحات مديدة واسعة، ويستخدمون فيها الشبان فيعطونهم أجور لا تتحقق إلا في الاحلام، هذا بشرطين: أولهما أن يكون الشاب قادرا ماهرا، وثانيهما ان يكون له الحظ المجدود الذي ييسر له الخدمة لدى هؤلاء الشقر. وذكر لهما انهما لابد مجدودان لأنهما وقعا غي سبيله، وانه هو أيضاً مجدود باستطاعته إسداء الخير لهما على هذا النحو. وكان في حديث هذا الفيلسوف عذوبة، كانت كلماته ملساء تنزلق في سهولة من بين شفتين ملساوين، ولا بدع فصاحبنا كانت تفرض عليه صناعته حذق الكلام وموادعة القلوب ومصانعة الإفهام، فهو رجل من الرجال المغامرين، الذين كانوا يجوسون خلال الريف يتصيدون الشباب البريء الساذج يبعثون به إلى وكلائهم بالموانئ ليرحلوهم في طلب العمل وراء البحر إلى حيث تشتري الأبدان اغتصابا لقاء كراء دنيء وعيش رقيق.
ولما كان في طبع الصيني ارتياب، وفيه كذلك حب المساعرة والممارسة، لم يطمئن سكيم ولم يطمئن حكيم إلى قبول الدعوى في الليلة الأولى من عرضها، وآثرا انتظار الغد، فالغد الذي يليه وانتهيا أخيراً إلى أن بلعا الطعم كما بلعه قبلهما ألوف وبثمن بخس، بخمسة وثلاثين دولارا فضة، باعا الجسم والروح وفي صبيحة يوم كان سكيم وحكيم يدقان بأقدامهما تراب الطريق إلى ميناء (كانتون) وهو ميناء في الشرق الأقصى في ذكر اسمه غناء عن سوء وصفه وشناعة الأمور التي تجري فيه، ولما بلغاه سيقا كالغنام في قطيع كبير من الضحايا إلى سفينة صينية عتيقة عرفت البحار طرازها منذ خمسة قرون. وكانت