سيئة النظام فاسدة التقسيم عاطلة من كل أدوات الراحة ووسائل العيش، لا أقول الرفيه، ولكن اللازم للتميز بينه وبين عيش الأنعام وسائر الحيوان. دخل شباب الصين إلى السفينة الصغيرة وكانوا خمسين ومائة رجل فملأوا طابقيها حتى ضاقا بهم، ولكن لم يظهر عليهم انهم ضاقوا بهما، وكيف يضيق الصيني بشيء وهو من أمة يرى الرجل فيها صنوف الكرب تحل به بأهله، وألوان الخسف والعذاب تنزل بغيره وبأهل غيره، وهو يحدق إلى هذه والى تلك بعين تنظر ولا ترى، ومقلة إن أدركت من الصور مبناها فقد فاتها معناها.
وتحركت السفينة باسم عزريل مجراها والى جهنم مرساها. وبتحركها بدأت تتحرك الأمور. فالبحر أخذ يدور فدارت معه نفوس الراكبين - في الأمم المتحضرة يذهب دوار البحر بوقار الناس، وهم يعلمون ذلك من أنفسهم فيحرصون على حرمتها فيتقون ما يقع لهم من ذلك بالتخفي والتستر، أما أصحابنا فلم يعرفوا للوقار اسما ولا لحرمة النفس معنى، ولو انهم علموا من ذلك ما علم غيرهم لما أغناهم علمهم شيئا، فلم يكن في السفينة موضع فاضل، فكيف بمكان ساتر، وما حاجة الصيني العامل المسترق للستر والخفاء، فمضت أيام ثلاثة، اختلط فيها الإنسان والمتاع والمكان، بمقذوفات الحلوق في جو امتلأ فسادا وتنضح سماً.
وصحا الجو في اليوم الرابع فرفع الرجال رؤوسهم وقاموا إلى وجبة من سمك وأرز، الارجلين بقيا بلا حراك على ظهر السفينة. ومن اجل هذين اجتمع ربان السفينة بوكيله اجتماعاً سريعاً فقررا أن الرجلين يحتضران، وانه لابد ألا يموتا في السفينة فيجلبا لها الشؤم والخراب. وكان من عادة أمثال هذه السفن أن ترسى على شواطئ غير أهلة طلبا للوقود الرخيص الذي يفر إليها هربا من الضريبة. وفي أول إرساءة انزل الرجلان ففرحا لذلك فرحا كبيرا، ولكنهما ما لبثا أن أدركا انهما نزلا إلى ارض لا أنس فيها ولا عون بل فيها المرض المتصل والمرض البطيء. فبكيا واستغاثا يطلبان العودة إلى السفينة، ورفعا أيديهما عبثا بالرجاء والدعاء. وأقلعت السفينة بدونهما. وعلم الرجال الذين بها ان هذا مآل كل من يسقط منهم هذه السقطة، ولكن لم يتحرك فيهم بنان باحتجاج أو لسان بكلمة دفاعا عن هذين البائسين، وكيف يقع من أحدهم شيء فيه إفساد لمغامرة مالية تعود على نفسه وأهلة بالنعمة والثراء؟ وما هذه بأول مرة بردت فيها المنافع الذاتية الدم الإنساني في موقف