لا شك أن سمات الدهشة سترتسم عل محياك حين تقرأ عنوان هذا المقال، وستنكر أن تتهم الصحافة، وأن تساق إلى تأديب أو عقاب. ولن ترضى وأنت المتعشق للحرية في جميع ضروبها، المستشرف لعصر تتحقق فيه آمال البلاد أن ترى (صاحبة الجلالة) تهان، وتذل، وتنزع عن عرشها، لتساق إلى مجلس قضاء
وأنا معك أيها القارئ فيما تنكره، لا أرضى للصحافة ذلك المصير المحزن؛ بل أحب لها أن تبقى على عرشها، عزيزة الجانب، مرموقة المكانة، وأن يزاد قدرها علوا، لتنهض بواجبها خير نهوض. ولكنني مع ذلك أدعو إلى تأديبها - على نحو آخر لتستطيع أن تساهم في بناء الإصلاح على دعائم صحيحة، ولتكون وسيلة راقية ترتفع بالشعب وترقى به شيئا فشيئا إلى مدارج الرقي ومطامح الآمال.
والصحافة إحدى وسائل ثلاث في العصر الحديث تقدم للناس ما يضطرب في عالم الأرض من أحداث، وما يجول في عالم الذهن والقلب من أفكار ومشاعر تشاركها في ذلك الإذاعة والسينما، وتتضافر كلها على تغذية المرء بما يحتاج إليه عقله وقلبه
وسيطرة هذه الوسائل الثلاث على الناس وانتشارها بينهم دليل على أن الإنسان متطلع أبداً إلى معرفة ما يجري حوله من أمور لا يكتفي بغذاء المعدة بل يسعى وراء ذلك إلى غذاء العقل والقلب، فيطلبه في صحيفة يقرؤها، أو فلم يشاهده، أو إذاعة يستمع إليها
ولقد انتشرت الصحافة في هذا العصر انتشارا عظيما، وأصبحت في كل بيت يقرأ، ولعل من أقوى أسباب انتشارها رخص ثمنها وتقدم طباعتها وإخراجها تقدماً عظيماً. فهناك عدد من الصحف الأسبوعية والشهرية التي تصدر في البلاد العربية، تستهوي القارئ بجمال الطباعة وحسن التنسيق. كما أن عرض الموضوعات أصبح فناً من الفنون تجمع له الصور المعبرة، ويحشد له الأسلوب الطلب، ليكون التأثير في القارئ أبلغ، والوصول إلى مواطن شوقه واهتمامه أسرع. ولهذا فإنني أرى أن للصحافة أثراً كبيراً في الشعب لا يقل عن أثر الوسيلتين الأخريين؛ فهي تعبر عن آمال الشعب ورغباته، كما إنها توجهه إلى هذا الاتجاه أو ذاك