للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا شك أن الصحافة العربية قد خطت خطوات واسعة نحو التقدم فلم يعد عملها نقل الأخبار ورواية الأنباء وإنما تعدت ذلك إلى تثقيف الشعب، ونقد المجتمع، وعلاج الأدواء، وتوجيه الآراء؛ ومن ثم فقد أصبحت من الوسائل القوية التي نرجو لها القوة والخير، لأنها لم تعد ملكا لأصحابها وإنما صارت ملكا للشعب، فهي مسؤولة عما تخلق فيه من تيارات صالحة أو فاسدة، وعما تصور له من أهداف ومثل

ولكن صحافتنا - مع الأسف - لا تسير نحو أهداف واضحة، ولا تطبق مبدأ محدوداً، وإنما أكثر صحفنا تسعى وراء الربح المادي، فتجاري أهواء الشعب وتسعى إلى إحراز ما يرضيه لا إلى ما ينفعه، لتضمن الرواج والقبول ولهذا فإن صحافتنا محتاجة إلى تطعيم من دم الأدب، يكسبها قوة، ويجعلها أقدر على أداء مهمتها

وحين أتحدث عن الأدب، فإنما أعني ذلك النوع من الأدب الذي يستحق الخلود بسمو أفكاره، وجمال تعبيره، واتساع محيطه. ومن أبرز صفات الأدب الحي: الحرية والجمال، الحرية في أن يقول الأديب ما يشاء كما يملي عليه عقله وضميره، وأن يلقي الرأي الذي يعتقد، لا يسعى لإرضاء المجتمع ولا إلى تملقه لينال رضاه، كما لا يقصد إلى مبادئه ومثله ومعتقداته بالهدم والتحطيم. ثم التعبير عن آرائه وأفكاره بالقول الجميل، والتعبير الحي، وإخراج ذلك كله في حلة رائعة من الفن

فصحافتنا بحاجة إلى تأديب لاكتساب الروح القوية التي تشيع في الأدب الخالد، والتي تهتم بالفكرة قبل الناس، والتي ترى أن من أقوى واجباتها أن ترفع الشعب إلى مستوى راق من التفكير والتهذيب والذوق لا أن تنزل إلى غرائزه وأهوائه وإلى ما يريد وما لا يريد، هي جديرة بأن تقتبس تلك الكرامة العقلية التي يتصف بها الأدب، وبأن تتعلم من الأدب السمو بالقارئ والأخذ بيده إلى سبيل الحياة الحافلة بالكفاح، لأطرح المبادئ والمثل في سبيل تسليته وتخدير أعصابه

ولا يعني ذلك أن تهمل الصحافة الشعب ولا تلتفت إليه؛ ولكن الذي أقصد إليه أن يكون للصحافة مبدأ إصلاحي، وهدف سام تسعى إلى تحقيقه؛ ترتفع بالشغب إذا رأته يتدنى في أخلاقه وفي مثله، وتبصره بالسبل الواضحة إذا ما زاغ عنها معبرة في كل ذلك عن رغباته ومآله

<<  <  ج:
ص:  >  >>