وجملة ما نادى به المنادون من المقترحات، سواء ما كان منها يشيد باتخاذ الحروف اللاتينية، وما يتخذ للكتاب حروفاً مخترعة، وما يقتضي إدخال علامات أو أوضاع جديدة للحروف والحركات - جملة ذلك كله لم يسلم من النقد والاعتراض - وكان أكبر ما يثيره النقاد والمعترضون من مآخذ أن هذه المقترحات المعرضة لتغير الكتابة العربية تقطع الصلة بين القديم والجديد. فإذا أخذ الناس بإحدى هذه الطرائق، وكتبوا بها، عجزوا عن أن يقرءوا ما تركه لنا الأولون من تراث ثقافة عريضة، وحيل بين الجيل الجديد وبين الانتفاع بذلك التراث الذي لا تزهد فيه الأمة العربية بحال.
والحق أن الاعتراض بالقطع بين القديم والجديد دعوى لا تخلو من غلو في القول، وإسراف في التصوير. فإن أية حروف بل أية علامات وإشارات تكتب بها اللغة العربية لا تقطع بين قديم اللغة وجديدها، ولا تفصل بين ماضيها وحاضرها. بل لعل حروفاً مقتبسة أو مخترعة تكتب بها اللغة العربية تكون سبيلاً إلى أحياء اللغة وتيسير اكتسابها، ما دامت هذه الحروف المقتبسة أو المخترعة أدق ضبطاً، وأدنى تناولاً. فأنها بهذا الضبط وقرب التناول تجعل المتعلمين أقدر على القراءة ملكة، وأقوم لساناً، وأفصح بياناً.
وعلة إثارة النقاد والمعترضين لدعوى القطع بين القديم والجديد أنهم يخشون إذا اتخذت حروف مقتبسة أو مخترعة أن تظل المؤلفات العربية التي توارثناها على توالي الأحقاب مستغلقة مستبهمة لا يمسها قارئ. وبذلك تفقد الأجيال اللاحقة ما خلفته الأجيال السابقة من عصارات القرائح والعقول.
ولكن الحق أن جيلاً جديداً إذا شب عربياً في منطقة، بأية حروف وبأية علامات، فتمكن من قراءة الكلام العربي مضبوطاً أدق ضبط، معرباً أصح أعراب، وأكتسب بذلك ملكة الإفصاح فأن هذا الجيل الجديد لا يعجز بعدئذ أن يرجع إلى المؤلفات التي كتبة بالحروف