للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العربية القديمة، وأن يقرأ ما فيها من بيان، وينتفع بما حوت من علم وأدب، وذلك إذا أنفق القليل من الساعات في تعلم صور الحروف العربية القديمة، باذلا من هذا السبيل أيسر جهد.

ولا ريب أن كل امرئ مكنته تعلم الصور الخطية لثمانية وعشرين حرفاً، أية كانت، في ساعات معدودات، وبجهد غير معسور.

ولو قدر للأمة العربية أن تتواضع على اقتباس حروف أجنبية، أو اختراع حروف جديدة، لوجب مع ذلك أن نلتزم الناشئة تعلم تلك الصور القديمة للحرف العربية. حتى إذا شبوا وقد انقادت اللغة لألسنتهم، ومرنوا على ضبط نطقها، وأحسنوا تصريف كلماتها، وأمنوا من اللحن في إعرابها - استطاعوا بمعرفتهم حروف العربية القديمة أن يطالعوا ما شاءوا من تراث السلف، ولا سيما المراجع الكبيرة، وأمهات الكتب، في فروع العلوم والفنون والآداب.

وستظل الحاجة إلى تعلم الحروف العربية القديمة قائمة، حتى يتسنى لنا أن طبع هذه المراجع وأمهات الكتب بالحروف التي نتواضع عليها. وستقل وطأة حاجتنا إلى هذه الحروف كلما مضينا أشواطاً في طبع تلك الكتب والمراجع. ولكن قدراً من هذه الحاجة سيبقى قائماً وإن أعدنا طبع مئات من المؤلفات ومئات.

ومن هذا يتبين أن تواضعنا على أية حروف لكتابة اللغة العربية، لا يقطع الصلة بين قديمنا وجديدنا في ميدان التأليف. فالصلة باقية، وربما بقية على نحو أوثق مما هي الآن. وغاية ما هنالك أن الأمر يقتضينا معرفة حروف العربية القديمة، فإذا عرفناها وضح لنا الطريق إلى منهل التراث العربي، نعب منه ما وسعنا أن نعب لا يصدنا عنه شيء.

بيد أن هذا المنطق الذي نراه واضحاً كل الوضوح، لا يصرفنا عن أن نسأل أنفسنا:

أنريد الحقائق النظرية، أم نريد الواقع العملي؟

إن كنا نريد النظريات، فمجال القول ذو سعة، وميدان الاقتراح رحيب الجنبات، تتنافس فيه الأذهان.

وأما إن أردنا الواقع الملموس، فيجب أن نصارح أنفسنا في غير مواربة ولا مراء.

لغتنا العربية في جوهرها ومنظرها لست ملكاً لوطن وحده، ولا هي مقصورة على دولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>