بعينها، ولكنها شركة بين طائفة من الأوطان والدول. وجلا غاية الجلاء أن هذه الطائفة التي تضم بين جوانحها الأمة العربية كلها يجري فيها اتجاه واضح إلى الإبقاء على الكتابة العربية القديمة، والنهيب للعدول عنها؛ وإن كان الرأي العام في الأمة العربية كلها يؤمن بقصور تلك الكتابة عن الوفاء بحاجات الضبط، ويعاني من صعوبتها ما يعانيه.
ثمة عامل نفسي يسري بين جوانح الأمة العربية، من أغفله لم يؤمن الشطط. فإن جماهيرنا في نهضتها الحديثة التي تقوم على أساس الحضارة الغربية الراهن، تتملكها نزعة المبالغة في الحرس على مشخصاتها القومية، وهذه الجماهير - في شديد حرصها ذلك - تتوهم أن حروف كتابتنا العربية إحدى هذه المشخصات فإن نبذتها كان ذلك إمعاناً في التطرف، وهدماً للمأثور، وتفريطاً في الجانب القومي العزيز.
وعلى الرغم من أننا طلاعون في نهضتنا إلى الأمام، آخذون من الحضارة بكل الأسباب، فإن جماهيرنا تلك ما برحت تحت وطأة من تقديس التقاليد المتوارثة، تضن ما وسعها الضن بالنزول عن شيء من شؤون حياتنا الاجتماعية، وإن كان من الظواهر والقشور.
والحروف العربية القديمة، وإن كانت لا تزيد على أنها أداة تصوير، وليست هي من جوهر اللغة في قليل ولا كثير، فإنها قد اتخذت في أوضاعها القائمة، مسحة من التقديس، لشدة الألفة بها، وطول العهد معهما، وجلال القدم فيها. ولذلك لا يحسب كل تغيير يلحق بها إلا استخفافاً بشيء تحيط به هالة من الجلالة والإكبار.
وإذن فهذا العامل النفسي المتأصل، هو الذي يقف عقبة في سبيل ما ينادى به المفكرون وذوو الرأي، من اتخاذ حروف جديدة مقتبسة أو مخترعة لكتابة العربية.
ولا خلاف على أنا العوامل النفسية التي تستقر بين جوانح الأمم لا تسقط جملة بقوة منطق، وروعة دفاع، وحجة إقناع، وأنها كذلك لا تسقط بظهور مضرة، واستبانت نفع؛ فإن للعوامل النفسية أسبابها وملابساتها. فإذا زالت هذه الأسباب والملابسات رويداً زالت معها تلك العوامل رويداً. وليس كالزمان دواء لها وعلاجها.
هيهات أن يفرض اقتراح جديد للكتابة بقانون. وهيهات أن يلزم الناس به إلزاماً بإقناع، وكل محاولة تجافي المجرى الطبيعي لتطور نفسية الأمم مكتوب لها الإخفاق.
فمن حق الأمة العربية علينا أن نساير في عهدنا الحاضر رأيها العام. وأن نسوس هذا