ويقال إن أبا تراب التخشيبي خرج من البصرة إلى مكة فوصل إليها على أكلتين أكلة بالنباح (في معجم البلدان ذو النباح هضبة من ديار فزاره كذا جاء كتاب الحازمي) وأكلة بذات عرق (قال في القاموس المحيط وذات عرق في البادية ميقات العراقيين. وفي مجمع البحرين وذات عرق أول تهامة وآخر العقيق وهو عن مكة نحواً من مرحلتين وهو الموضع الذي وقت لأهل العراق في الحج) وقال أبو سليمان الدراني: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع. قالوا وكان سهل بن عبد الله التستري إذا جاع قوى، وإذا أكل ضعف. وكان من الصوفية من يأكل كل أربعين يوماً أكلة واحدة. قالوا واشتهى أبو الخير السعقلاني السمك سنين كثيرة ثم تهيأ له أكله من وجه حلال، فلما مد يده ليأكل أصابت إصبعه شوكة من شوك السمك فقام وترك الأكل وقال يا رب هذا لمن مدي يده بشهوة إلى الحلال فكيف بمن يده بشهوة إلى الحرام؟ وفي الكتاب العزيز (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) فالجملة الأولى هي التقوى والثانية هي المجاهدة. وقال إبراهيم بن شيبان ما بت تحت سقف ولا في موضع عليه غلق أربعين سنة وكنت أشتهي في أوقات أن أتناول شبعة عدس فلم يتفق؛ ثم حملت إلى وأنا بالشام غضارة (هي كما في المنجدة القصعة الكبيرة (فارسية) فيها عدسية فتناولت منها وخرجت فرأيت قوارير معلقة فيها شبه أنموذجات فظننتها خلا، فقال بعض الناس أتنظر إلى هذه وتظنها خلا؟ وإنما هي خمر، وهذه أنموذجات هذه الدنان لدنان هناك، فقلت قد لزمني فرض الإنكار، فدخلت حانوت ذلك الخمار لأكسر الدنان والجرار فحملت إلى ابن طولون فأمر بضربي مائتي خشبه وطرحني في السجن فبقيت مدة حتى دخل أبو عبد الله الرباني المغربي أستاذي في ذلك البلد فعلم أني محبوس فشفع في فأخرجت إليه فلما وقع بصره على: قال أي شيء فعلت؟ فقلت شبعة عدس ومائتي خشبه فقال لقد نجوت مجاناً.
قال ابن أبي الحديد وأعلم أن تقليل المأكول لا ريب في أنه نافع للنفس والأخلاق، والتجربة قد دلت عليه، لأنا نرى المكثر من الأكل يغلبه النوم والكسل وبلادة الحواس، وأن