لله أنت يا رسول الله يا سيد المصلحين وإمام المشرعين، لقد مضى على أتباعك المسلمين قرون طويلة مظلمة حجبت عنهم محاسن شريعتك، وجعلتهم ينظرون إليها فيها وعلى أبصارهم غشاوة من الجهل، فتبدلت أوضاعها عندهم، وانحرفت عن سبلها المستقيمة إلى سبل معوجة، وصار كل شيء صالح فيها إلى فساد، وكل نظام جميل فيها إلى اختلال، وكل مظهر نشاط فيها إلى كسل وخمول، والإسلام دين إصلاح ونظام، ولابد لنا في نهضتنا الحاضرة من أن نرجع به إلى عهد نهضته، حتى لا يعوق المسلمين عن النهوض عائق من ناحية دينهم، وتسير فينا النهضة الدينية إلى جانب النهضة المدنية، متعاونتين في الوصول بنا إلى الإصلاح المنشود.
وها نحن أولاء نعالج الآن مشكلة السُّولة عن أوضاع ديننا معالجة مدنية، ونضع في ذلك الأوامر تلو الأوامر، والنواهي تلو النواهي، فلا يفيد في ذلك علاج، ولا ينقطع السُّولة عن هذه الحرفة الدنيئة، لأنا نقتصر في ذلك على علاجها من ناحية القانون الوضعي، ولا نحاول علاجها من ناحية الشرع السماوي، ليعلم الناس أن دينهم لا يبيح لهم هذه الحرفة الدنيئة، فكيف السُّولة عن تعاطيها، ويكف الذين يتصدقون عليهم أيديهم عنهم.
لقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحرفة وشدد في الوعيد عليها، ومدح الذين يتعففون عن سؤال الناس. ومما ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس. وقوله أيضاً: لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه، وقد عالج الإسلام هذه المشكلة بعد منعه لها معالجة إيجابية، لأنه لا يصح أن يمنع المحتاجين من السؤال ويتركهم يتضورون جوعاً، أو يشقون في الحياة بجانب غيرهم من أهلها، فسنَّ الصدقة وفرض الزكاة على الأغنياء، وجعل من وظيفة الحكومة جمع الزكاة من أهلها، وصرفها على من يستحقها من الفقراء ونحوهم، فوقاهم بذلك ذل السؤال، وحفظ لهم كرامتهم، لأنهم لا يأخذونها من الحكومة امتنانا، وإنما يأخذونها حقاً تتقاضاه لهم من