كتب الدكتور زكي مبارك في أعداد سالفة من (الرسالة) عن (الأدب العربي الحديث في العراق)، ولا أريد بكلمتي هذه أن أناقشه فيما كتب، إذ أن وقت المناقشة قد بَعُد وتقادم، على أني معجب شديد الإعجاب ببعض ما كتب.
وقد كنت معتقداً بأنه سيكتب عن الشعر الذي رُثى به الحسين بن علي بن أبي طالب، فيكشف لقراء (الرسالة) صفحة مندثرة من الأدب العربي، ومنجماً مليئاً بغرر الشعر وأطايبه، فيُسجل له فضل الأسبقية في هذا الموضوع بعد أن زودته وزارة المعارف العراقية بأغلب الدواوين المطبوعة لشعراء العراق، وأغلبها ملآن بما رُثِيَ به الحسين، فعبدت له الوزارة بعض الطريق. على أن الرجل قد أشار إلى هذا الموضوع من طرف بعيد قد يخفى على كثير من القراء - وعلى الأخص أدباء الأمة المصرية - إذ أن سمعهم لم يطرقه هذا اللون من الأدب العربي إلا النادر منهم.
وكان الأجدر بالدكتور أن يقف عند هذا الموضوع ولو قليلاً، أو يَعِد القراء بالرجوع إليه، لأن رثاء الحسين، أو (أدب الطف) يعد (عاملاً من عوامل نمو الشعر في العراق). ولعل كلمتي هذه تحفز الدكتور إلى الكتابة في (أدب الطف)، والمراجع لديه كثيرة، والوقت يناسب الكتابة في هذا الموضوع، قبل أن ينقضي شهر محرم الحرام الذي قُتِل فيه الحسين بن علي بن أبي طالب. فالمناسبة إذن تشجع الكاتب على كشف هذا المنهل العذب الصافي من الأدب العربي لكل من تعنيه الدراسات الأدبية والاتجاهات الفكرية. على أن السبب الأول لكتابة هذا المقال، هو نفس السبب الذي دعاني أن أدعو الدكتور أن يكتب فيه.
ذكر الدكتور في المقال الذي كتبه عن (الأدب العربي الحديث في العراق) أن الخصومات الدينية، والخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة، قد عادت بالنفع والخير على الأدب والبيان في العراق. وهذا حق لا جدال فيه، فقد يكون بعض الخلاف خيراً وبركة من جهة، ونقمة وبلاء من جهة أخرى. ولو تصفحنا أدوار الأدب العربي من فجرها إلى يومنا هذا، لرأينا أجود ما فيه كان السبب في وجوده الخلاف: فقصيدة عمروا بن كلثوم، والاعتذار الذي