من الأمراض الاجتماعية التي حققها المفكرون حديثاً، مرضان نفسيان: الأول داء الشعور بالعظمة، وقد يظهر بمظاهر العظمة أو بمظاهر التواضع المكذوب الذي ينم عن الكبر؛ وداء الشعور بالحقارة، وهذا أيضاً يظهر بمظهرين مختلفين: مظهر التواضع المتناهي وتحقير النفس، ومظهر التعاظم الذي يراد به ستر ما يشعر به المرء من احتقاره لنفسه. وهذا الشعور قد يكون مؤسساً على أمور في العقل الباطن فلا يتنبه صاحبه إلى حقيقة أمره ولا يعرف أنه مريض بداء الشعور بالحقارة
وقد يختلط المرضان لأن كلا منهما يظهر إما بالتعاظم وإما بالتواضع، ويغالي في التعاظم أو التواضع، ولكن تعاظم المصاب بداء الشعور بالعظمة يكون مقروناً بشيء من الاطمئنان والثقة. وقد يبلغ الاطمئنان مبلغاً يجعل صاحبه لا يدرك سخر الناس؛ أما تعاظم المصاب بداء الشعور بالحقارة فهو تعاظم يساوره القلق وغطرسة تنتابها حُمَّى الحقد والحسد، فالخلط بين الداءين من هذه الناحية يدل على خطأ في الاستقراء ونقص في الخبرة وخطل في التفكير. وكذلك الخلط بين تواضع المصاب بداء الشعور بالعظمة وتواضع المصاب بداء الشعور بالحقارة؛ فالتواضع الأول مقرون بالثقة أيضاً، ويظهر من ورائه اطمئنان صاحبه إلى عظم نفسه. أما تواضع المصاب بداء الشعور بالحقارة، فهو تواضع يظهر من ورائه الحقد والحسد؛ وليس من لوازم داء الشعور بالحقارة أن يجعل مظهريه مظهر التعاظم ومظهر التواضع في رجل واحد في أوقات مختلفة. إنه قد يفعل ذلك ولكن كثيراً ما نرى أنه يختص رجلاً بالتعاظم وآخر بالتواضع؛ وأكثر شيوع داء الشعور بالحقارة يكون في الأمم التي لبثت عصوراً طويلة مغلوبة على أمرها، ولا يهم التمييز بين أصحاب الغلبة في تفسير نشأة هذا المرض الاجتماعي
وأكثر ضرر داء الشعور بالحقارة يكون إذا صال به وجال أناس قد بلغوا شيئاً من الجاه والمنزلة والثروة أو كانت لهم سلطة، فان اقتران القدرة به والنفوذ والسلطة مفسدة وأي مفسدة. وكذلك إذا كان صاحبه قدوة لغيرة، فإنه يفسد النفوس بما ينشره هذا الداء الوبيل داء الشعور بالحقارة من الأحقاد والضغائن والأكاذيب والشرور والحقارة والفساد، ولا تستطيع