أمة أن ترقى إلا إذا تمكنت من اقتلاع جرثومة داء الشعور بالحقارة من نفوس أفرادها، وإلا إذا عالجته في مدارسها علاجاً
نفسياً صحيحاً بإطلاع الطلبة والتلاميذ على حقيقة نتائجه، فإن نتائجه قد تظن محمدة واعتزازاً بالنفس، أو قد تظن غير ذلك على حسب ما يظهر به داء الشعور بالحقارة من المظاهر سواء مظاهر العظمة التي يساورها القلق والحقد والحسد أو مظاهر التواضع التي تساورها هذه الأمور أيضاً. ومن الحكمة جمع الشواهد والأدلة وتفسيرها، فالغيبة والنميمة مظهران من مظاهره ولا شك، لأن منشأهما الرغبة في الاستعلاء بوسائل غير مشروعة يتخذها من يشعر في نفسه بالعجز عن أسباب الاستعلاء الفاضلة لتمكن داء الشعور بالحقارة من نفسه، وكذلك حب الظهور من شواهد هذا الداء وأدلته ولو كان ظهوراً يؤدي إلى ضياع الثروة والعقارات والفدادين. ومن شواهده الولوع بالفكاهة اللاذعة للسخر حتى بالغرباء، كل هذه محاولات من المرء أن يقهر شعوره بحقارة نفسه وأن يقنعها بأنه أفضل من غيره. ومن شواهد داء الشعور بالحقارة أيضاً عدم احترام حدود الحق والواجب، لأن العظيم حقاً يجد من عظم نفسه الحقيقي ما يسليه عن الفشل في نيل أمر تمنع من نيله حدود الحق والواجب، أما الذي يشعر في نفسه بداء الحقارة، فإنه يرى في طمس حدود الحق والواجب زيادة في قدرته وعظمته وشفاء لما يشعر به من ألم الحقارة أو لما يتحسسه في أعماق العقل الباطن من هواجس هذا الداء إذا كان صاحبه لا يدرك حقارة نفسه أو لألم الحقارة وهواجس العقل الباطن معاً. ومن شواهد هذا المرض وأدلته أيضاً الامتعاض من لباب الأمور، فإن صاحبه يكره اللباب المحض الصريح لأنه يشعر أنه يبرز عجزه ويهتم للبهرج المزيف لأنه براق خادع ولا يكلف ما يكلفه اللباب. وليس من الضروري أن يكون المريض بداء الشعور بالحقارة غبياً أو بليداً. وهذا الشعور بالحقارة قد يعظم في نفس صاحبه حتى انه قد يدفعه إلى الإثم والجرم الشنيع. وقد يصير جنوناً أو شبه جنون وحتى تصبح نفس صاحبه كالمفرزات القذرة التي يتصاعد منها الذباب الكثير الألوان، فمن ذباب أزرق وذباب أصفر وآخر أسود وغيره أحمر إلى آخر أنواع هذا الذباب الذي ينبعث من الأقذار. وقد يعظم داء الشعور بالحقارة في نفس صاحبه حتى كأنما يخيل له أن الأرض لا تستطيع أن تحمل ثقل شعوره بحقارة نفسه وهي هي الأرض التي حملت الجبال وحملت