الناس والحيوانات حتى الحيوانات الهائلة التي اندثرت قديماً؛ وهي الأرض التي حملت طوفان نوح وفلكه المشحون وحملت حماقة الناس وآثامهم وغباوتهم وجهلهم من عهد سيدنا آدم، وحملت الأرض كل هذه الأشياء ولكن كأن المسكين يخشى أن تلك الأرض نفسها ربما لا تستطيع أن تحمله وأن تحمل ثقل شعوره بحقارة نفسه. وهذا الشعور بالحقارة مما يزيد الحياة مرارة وألما. وله عدوى في بعض البيئات مثل عدوى الأمراض الجثمانية المعدية. ومن درس التاريخ عرف أن الأمراض النفسية تكون لها في بعض الأحايين عدوى مثل عدوى الأمراض الجثمانية المعدية. أو لعل تلك الأمراض النفسية تكون مصحوبة بأمراض عصبية كمرض (الهستريا). وقد شوهدت عدوى تلك الأمراض النفسية وشوهد وباؤها بصفة خاصة في عصور الانقلاب الفكري والاجتماعي والاقتصادي وفي عصور الكوارث الطبيعية الكبيرة والثورات والحروب، ولكنها تظهر في شكل أقل شدة وحدة في حياة الناس اليومية
وداء الشعور بالحقارة قد يصيب الغبي كما يصيب الذكي، وقد يصيب الوضيع المنزلة كما قد يصيب الرفيع المنزلة الذي ارتفع بعد ضعة أو ارتفع أبوه أو جده بعد ضعة أجداده. وهو في أشد حالاته يكون مصحوباً بجنون خلقي لا يميز صاحبه الخير من الشر، ولكن ليس كل جنون خلقي يكون مصحوباً بداء الشعور بالحقارة
والشواهد على وجوده كثيرة؛ فالوضيع الذي يتعالى ويتعاظم مصاب به، والرفيع المنزلة الذي تصيبه حمى إذا رأى ميزة في إنسان أو استضعفه وحاول القضاء عليه بوسائل تنجيه من العقاب والمؤاخذة. ومثله مثل الفلاح الذي يسلط الأشقياء على الناس لسبب تافه أو لغير ما سبب إلا حب الأذى وحب الظهور. وقد عرفنا أناساً من هذا القبيل يصابون (بالسادزم) نسبة إلى الكونت دي ساد الفرنسي الذي كان مصاباً بداء التلذذ بالتوحش والقسوة. فترى أن داء الشعور بالحقارة في أشد حالاته يكون مصحوباً بالجنون الخلقي وبجنون التلذذ بالتوحش والقسوة. وسنحصي بعض شواهد هذا المرض في مقال آخر