منذ عصور طويلة أدرك الإنسان وجوده في هذه الدنيا. ومع أنها وطنه ووطن أبنائه وأحفاده إلى مدى أجيال لا عداد لها فإنه كان غريباً فيها، وكان عليه أن يتعرف على كل شيء بها.
وكل طفل يولد في هذه الدنيا يولد غريباً، حتى في داره. فالوليد يتعرف في بطئ على الحجرة التي يقيم فيها، ثم على الطريق الذي به مسكنه، وعلى أبيه، وأمه، واخوته، وأخواته؛ ويتبين فيما بعد أنه يستطيع المشي، وأنه يستطيع الكلام!
وفي يوم ما ينتقل من هذا العالم الصغير عالم الدار إلى المدرسة فيجد دنيا أوسع من التي عرفها من قبل. وربما سافر بعد ذلك فعرف عن دنياه أكثر وأكثر
ومهما يؤد المرء من عمل فإن غيره قد هيأ له سبيله فسهل عليه تناوله، فعندما يتقدم الصغير في السن ويريد أن يشيد لنفسه منزلاً فإنه لا يحتاج إلى تعلم صناعة ابتناء المنازل فإن تلك الصناعة معدة متهيئة لما يقع عليه اختياره، وليس على من يريد التخاطب بالمسرة أن يخترعها، بل يدعو الأخصائيين فيضعون الأسلاك في منزله. وتنقل إليه الصحف واللاسلكية والصور المتحركة أخبار العالم وتخبره الكتب عن جغرافيته وتاريخه ويتهيأ العالم بسائر الوسائل العلمية
ومن بواعث السرور لنا نحن الذين وجدنا حياتنا مريحة ميسرة ممتعة أن نتعرف على الرجال والنساء اللذين هيئوا لنا العالم هذه التهيئة
إنهم أناس عاشوا في هذه الدنيا قبل أن نوجد بها، وعاشوا فيها في عصور بعيدة مظلمة. وليس في وسعنا أن نعرف شيئاً عن فريق منهم إلا بواسطة ما تركوه لنا من الأشياء كالأسلحة الحجرية والنقوش المرسومة على الكهوف ومعابد الآلهة. ومن هؤلاء الرجال فريق آخر عاش في عصر الأقاصيص والسير حين كانت أعمال الإنسان تنقل أخبارها إلى