إن أعيادنا مخبوءة في ثنايا الماضي الفخم، ومطاوي المستقبل المنتظر.
(علي)
مشيت ليلة العيد في حاجٍ للعيال، فتأخرت في السوق، فركبت (الترام رقم١) لأروح إلى الدار، فكان مجلسي فيه قبالة شيخ ساهم رازم، عظيم اللحية، كأن رأسه ولحيته ثغامة بيضاء، زريْ الهيئة، رثْ الثياب. . . فأشرت إليه بالتحية وابتسمت له، فلا والله ما طرف ولا تحرك ولا ألقي إليْ بالاً، فجعلت أعجب منه، وأحاول أن أذكر من هو، وأين رأيت هذا الوجه، فلا أدري أين لقيته ولا أعرف من هو. ولا أستطيع أن أميز هذه الصورة من بين المئات من الصور التي اختلطت في نفسي وانطمست وضلّت عن أصحابها، ولكني كنت على مثل اليقين بأن لي بهذه الصورة عهداً. . . فلما بلغنا الدرويشية رأيت الشيخ يتحسس عصاه وبصره عالق بي، فأدركت أنه أعمى وأنه ينظر بعين قائمة، وعلمت سرْ امتناعه عن ردْ السلام. فرثيت له وأشفقت عليه، فلما سقط على العصا أعتمد عليها، فقام يتلمس الطريق، فهاجني الفضول وأثارتني الشفقة فقمت أتبعه، فإذا هو ينزل من الترام فيميل عن الجادْة، ويتجنب هذه البنى الجديدة ويتغلغل في تيك الخرائب، يضرب فيها على غير هدى، وأنا أتبعه مغتماً متألماً، أكره هذه الظلمة الداجية، وهذه الخرائب الموحشة، وأزمع العودة فلا تطيب نفسي بفراق هذا الشيخ وتركه يتخبط وحيداً في هذه المجاهل، فتعوذت بالله (من شرْ غاسقٍ إذا وَقب) ودنوت منه فحْييته وسألته: