للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- قلت: نعم

قال: هل ترى قوسين كبيرين قائمين وسط هذه الأطلال؟

- قلت: نعم. . هذه دار آل هـ. . .

- قال: أتعرفها؟ (وبكى)

قلت: نعم أعرفها. فمالك تبكي يا عمْ؟

قال: تلك والله داري يا بني

فلما قالها صعقت وذكرت أين لقيت هذا الرجل، وعرفت من هو. ولكن ما بال هذه الشيبة، ما هذه العصا، ما هذه الثياب؟ ما الذي أناخ عليه فهدّ شبابه؟ أيْ سهم من سهام الدهر أصمى بصره؟ حرت وحزنت ولكني تجاهلت وقلت:

- دارك أنت يا عمْ؟

- قال: إي والله يا بني. . . ألم تسمع بها؟ لقد كانت من أجمل دور دمشق. لقد كان من تحت هاتين القوسين قاعة من أفخم القاعات، يؤمها السيْاح من أوربا وأمريكا ليروها ويعجبوا بما فيها. لقد كان فيها بركة مصنوعة من ألف وثلثمائة قطعة صغيرة من الأحجار الملونة. . . لقد دفعوا لي في سقفها الخشبي ثمانية آلاف دينار. . . ولكن ما فائدة الكلام؟ لقد خسرت ما هو أعزْ عليْ منها: زوجتي وأولادي. . .

(وأنطلق يبكي بكاء موجعاً)

لقد كان ذلك ليلة العيد، في مثل هذه الليلة. . . وكنا قد ذقنا في رمضان الأمرْين من الخوف والرعب، وكنا كأننا في ساحة حرب: بينما نحن جالسون آمنون، إذا بالرصاص يصفر، وإذا هي المعركة: يهجم عشرون من الثوار، فيطردون جيشاً فيلجئونه إلى القلعة ويضطرونه إلى الاعتصام بجُدُرها، ويؤوبون وقد غنموا ما شاءوا من مجد ومال وعتاد، فيخرج أولئك، فيتبخترون بالساحة (يطلبون الحرب وحدهم والنزال)، وتنطلق أفواه المدافع تلقي خطب البطولة على النساء والأطفال:

أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء تنفر من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر

آه يا بني. لا تلمني إذا بكيت وأذهب البكاء بصري، فقد سحقت المصيبة قلبي. . . كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>