منذ يناير الماضي تجوز السفن الإيطالية قناة السويس في كل يوم تقريباً، مشحونة بالجند والسلاح والذخيرة في طريقها إلى الإرترية والسومال؛ ولا تخفي إيطاليا الفاشستية بعد أن حشدت قواتها الزاخرة في شرق أفريقيا إنها مصممة على تنفيذ مشروعها الاستعماري الضخم في المنطقة الحبشية، وأنها لا تقبل ثمناً للعدول عن غزو الحبشة اقل من بسط حمايتها الفعلية عليها؛ إما الحبشة فأنها من جانبها تشهد جلدة متحفزة تلك الأهبة الضخمة التي تنظمها دولة قوية من دول الغرب المتمدين للبطش بها وسحقها من عداد الأمم الحرة، وزجها إلى حظيرة الأمم المستعبدة بعد أن لبثت آماد التاريخ دولة كاملة السيادة والاستقلال
وهذا المنظر الذي نشهده اليوم هو أحد هذه المناظر العديدة التي شهدها كثير من الأمم الشرقية والأفريقية الضعيفة منذ أواخر القرن الماضي، والتي تعرف في لغة الاستعمار الأوربي (بافتتاح أفريقية)؛ منظر الدول الغربية الكبرى تتسابق إلى بسط حمايتها على تلك الأمم، ثم تتقدم استعمارها واستبعادها خطوة فخطوة باسم المدنية والمصالح الاقتصادية والتهذيب الأوربي
ليس من موضوعنا أن نعرض إلى شيء من نواحي ذلك الصراع الذي سينشب في القريب العاجل في شرق أفريقيةوالذي تخوض فيه الحبشة معركة الحياة والموت؛ ولكنا نريد أن نعرض إلى مسالة يثيرها هذا الصراع في الوقت الحاضر، هي مسألة قناة السويس ونظامها الدولي في مثل هذا الظرف، وسنقتصر في بحثنا على الشرح الفقهي والتاريخي المحض
أبدى السير نورمان آنجل الكاتب الإنكليزي الكبير، واحد أقطاب الدعوة إلى السلام، رأيه أخيراً بأنه إذا نشبت الحرب بين إيطاليا والحبشة، فانه لا يجوز أن تبقى قناة السويس مفتوحة في وجه الفريقين المتنازعين، بل يجب أن تغلق دونهما، وإلا تمكن السفن الإيطالية من المرور فيها، كما أنه يجب إلا تمكن الحبشة من استيراد الذخائر عن طريقها؛ ويستند السير آنجل في رأيه إلى أن المعاهدات الدولية التي تكفل حرية الملاحة في القناة أثناء الحرب والسلم معاً قد نسختها نصوص ميثاق عصبة الأمم