الأستاذ عبد الحميد فهمي مطر أحد رجال التربية المثاليين
الذين يسيرون إلى غايتهم من التعليم مستقلين على ضوء
الفكرة والخبرة والاطلاع، فهو لا ينفك منذ ٢٤ عاماً معنياً
بمسائل التربية في مصر باحثاً في عللها ناقداً لنظمها في
صراحة وجرأة. وقد توفر أخيراً لدرس هذا الموضوع
الخطير، وهو معضلة الساعة؛ ثم تفصل فوعد بنشره تباعاً في
الرسالة.
المحرر
نشأت في قرى الريف بين حقول الطبيعة وإحراجها مغرما بها، في أحضان الحرية وبين ضلوعها هائما بها، ثم دفعت بي الأقدار بعد الدراسة في الكتاب إلى المدرسة الابتدائية التي جذبتني إليها جذباً بطربوشها وملابسها الإفرنجية. ذلك الطربوش الملون بلون الورود، الذي كان لا يزال يتعشقه أبناء الريف منذ ظهر في الوجود، والذي بمجرد أن لبسته أنا وإخواني تأكدنا من المستقبل السعيد، في ساحة الدواوين، بين الموظفين.
فكان ذلك الغرض الذي يملأ نفوسنا حافزاً لكل منا إلى الاجتهاد والجد. وبالرغم مما صدمتنا به المدرسة من ضغطها وشدتها وعصبها وجبروتها وحدتها، مما بغض الجميع فيها فقد كان الغرض السامي يدفعنا أبداً إلى الأمام، إلى العمل المتواصل، إلى المدارس الثانوية من غير أن يتخلف منا إلا القليل. أما من تخلف فقد وجد السبيل إلى العمل أو إلى مدارس أخرى سهلا ميسورا، ثم كان النجاح في البكالوريا فكان الفرح الشامل
وألحقناه بين الحفاوة والتبجيل، وعظيم الدعاء والتهليل، بالمدارس العليا يحدونا الأمل الكبير إلى المستقبل الحافل الذي لا يحلم به أحد من موطنينا الريفيين. فلما حصلنا على