للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لقاح العقول أو لقاح الأنساب]

للأستاذ عباس محمود العقاد

أسرته الأصيلة من الفلمنك

وانتقل جد من جدوده إلى النمسا فأقام في الأقاليم البوهيمية واتصل هو وأبناؤه من بعده بخدمة آل هابسبرج

وبنى جده لأبيه بيونانية من جزيرة أقريطش، وبنى أبوه بيابانية من أذكى نساء اليابان

ذلك هو مؤلف الكتاب الذي نحن بصدده، واسمه الكونت (ريتشارد كودينهوف كاليرجي)

أما اسم الكتاب فهو (حكومة الاستبداد حيال الإنسان)

قرأت هذا الكتاب فقرأت عجباً من تآلف الأفكار الغربية، وتقارب الأقطار البعيدة، واختلاط الأساليب التي انغزلت مع الماضي مئات القرون.

هنا شيء من اليابان لا شك فيه، وشيء من اليونان لا شك فيه، وشيء من تعبد الفلمنكيين، وشيء من جماح البوهيميين، وشيء من أدب البلاط، وشيء من مساواة الحرية، ولكنك لا تستطيع أن تفرزها ولا أن تستخرج كل خليط من خيوطها مستقلاً عن سائر شباكها.

وكل ما تستطيعه انك تحس لكل جنس من هذه الأجناس أثراً في مزج الأفكار وصياغة الألفاظ وتنسيق الحلية الكتابية. وقد تجزم الجزم الأكيد أن الياباني وحده لن يصنف الكتاب على هذا الأسلوب، وكذلك اليوناني والبوهيمي والفلمنكي ورجل البلاط وجوَّاب الآفاق، ولكنهم إذا اتصلوا بالأنساب والثقافات كما اتصلوا في ذهن هذا المصنف نتج من تلاقح أذهانهم وثقافتهم مثل هذا الكتاب.

خذ مثلاً هذه الكلمات:

(الإنسان من صنع الله،

والحكومة من صنع الإنسان.

الإنسان غاية وليس بوسيلة،

والحكومة وسيلة وليست بغاية.

قيمة الحكومة هي قيمة ما تؤديه من الخدمة لمن فيها من الخلائق الإنسانية. فكلما خدمت الإنسان وعاونته على التمام والكمال فهي حسنة، وحيثما بدر منها التعطيل لتمامه وكماله

<<  <  ج:
ص:  >  >>