والباب العالي بناء ضخم قسمه الأمامي إيوان عال يمسك سقفه الرفيع ثمانية عموداً، مشرف على الميدان، ووراء الإيوان بناء ذُو طبقات ست وسلاليم ضيقة، وفي كل طبقة حجرات قليلة صغيرة، وهذا البناء كله كان لجلوس السلاطين مشرفين على اللعب في الميدان، ولاستقبال الوفود أحياناً، وكان بابه العظيم مفتوحاً ليل نهار يأوي إليه أصحاب المظالم فترفع إلى الشاه ظلاماتهم
ومن الآثار التي رأيناها، المسجد الجامع، وهو من أكبر المساجد سعة رقعة وضخامة بناء، وقد كمل بناؤه الحاضر في عهود مختلفة، وهو أقدم مساجد أصفهان. إيوان القبلة له قبة عالية ضخمة مبنية بالآجر، والى الغرب إيوان صغير جميل أظنه من آثار الصفويين، ووراءه مصلي كبير يؤخذ مما كتب على قبلته أنه بني سنة عشر وسبعمائة، ووراء هذا مصلي كبير لا نوافذ له، وفي سقفه كُوى ينفذ ضوؤها من أحجار من المرمر شفافة
وفي المسجد إيوانات أخرى ومصلي له قبة صغيرة زعم بعض الإدلاء أنه كان بيت نار، وأن القبة الكبرى كانت كذلك؛ وذلك زعم لا يصدقه التاريخ وفن البناء. وقصارى القول أن المسجد الجامع بأصفهان من عجائب الأبنية، وأن فيه للتاريخ وفن العمارة درساً طويلاً. وفي الجمعية الجغرافية الآن عشرات الصور تبين عن أقسام هذا الجامع العظيم ودقائقه
وأكبر الظن أن هذا هو الجامع الذي وصفه مفضل بن سعد ابن الحسين المافر وخي في كتابه (محاسن أصفهان) حيث يقول: (والجامعان: الكبير العتيق البديع الأنيق. بني أصله القديم عرب قرية طبران وهم التيم. . . ثم أعيد في أيام المعتصم سنة ست وعشرين ومائتين، ثم زاد فيه علي بن رستم في خلافة المقتدر، فصار أربع أدور يماس كل حد من جماعتها رواقا، يلاصق كل رواق منه أسواقا. . . . . وهو منذ اتخذ يطن بالتهليل والتحميد، ويحن بالتسبيح والتمجيد. لا ينظم لإحدى الصلوات الخمس أقل من خمسة آلاف رجل. وتحت كل اسطوانة منه شيخ مستند ينتابه جماعة من أهلها بوظيفة درس أو رياضة نفس. تزين بمناظره الفقهاء، ومطارحة العلماء، ومجادلة المتكلمين ومناصحة الواعظين،