للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب العربي]

ابن خلدون والتفكير المصري

للأستاذ محمد عبد الله عنان

(٥)

على إن ابن خلدون كان من جهة أخرى يحظى بتقدير فريق قوي من الرأي المصري المفكر. وكان على رأس هذا الفريق المؤرخ العلامة تقي الدين المقريزي. فقد درس المقريزي في فتوته على ابن خلدون واعجب بغزير علمه، ورائع محاضراته، وطريف آرائه ونظرياته. ويتحدث المقريزي عن شيخه ابن خلدون بمنتهى الخشوع والإجلال وينعته (بشيخنا العالم العلامة الأستاذ قاضي القضاة) ويترجمه في كتابه (دور العقود الفريدة) بإسهاب وإعجاب، ويرتفع في تقدير مقدمته إلى الذروة فيقول: (لم يعمل مثلها، وانه لعزيز أن ينال مجتهد مثالها، إذ هي زبدة المعارف والعلوم ونتيجة العقول السليمة والفهوم، توقف على كنه الأشياء، وتعرف حقيقة الحوادث والأنباء، وتعبر عن حال الوجود، وتنبئ عن أصل كل موجود، بلفظ أبهى من الدر الظيم، والطف من الماء سرى به النسيم). وهو تقدير يعارضه فيه ابن حجر كما قدمنا، ويأخذ ابن حجر وتلميذه السخاوي على المقريزي موقفه من ابن خلدون، ويرميانه بالمبالغة والإفراط في تعظيمه وإجلاله، ويقدم لنا ابن حجر تعليلا لهذا الموقف، وهو إن المقريزي كان ينتمي إلى الفاطميين وابن خلدون يجزم بإثبات نسبهم، ثم يقول لنا: إن المقريزي غفل في ذلك عن مراد ابن خلدون، فانه كان لانحرافه عن آل علي يثبت نسب الفاطميين إليهم، لما أشتهر من سوء معتقد الفاطميين وكون بعضهم نسب إلى الزندقة وادعى الألوهية.

وقد تأثر المقريزي فوق تعظيمه وتقديره لابن خلدون بنظرياته تأثراً كبيراً. وظهر هذا الأثر واضحاً في كتابه (إغاثة الأمة بكشف الغمة) الذي انتهت إلينا نسخة وحيدة منه تحتفظ بها دار الكتب المصرية.

ففي هذا الكتاب الذي يقول لنا المقريزي انه كتبه في ليلة واحدة من ليالي المحرم لسنة ٨٠٨ والذي يتحدث فيه عن محن مصر منذ اقدم العصور إلى عصره، ينحو المقريزي في الشرح والتعليل منحى شيخه وأستاذه ابن خلدون في مقدمته. فيقدم لرسالته بمقارنة موجزة

<<  <  ج:
ص:  >  >>