للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ورقة ورد]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

(وضعنا كتابنا (أوراق الورد) في نوع من الترسل لم يكن منه شيء في الأدب العربي على الطريقة التي كتبناها بها في المعاني التي أفردناه لها، وهو رسائل غرامية تطارحها شاعر فيلسوف وشاعرة فيلسوفة على ما بيناه في مقدمة الكتاب. وكانت قد ضاعت (ورقة ورد)، وهي رسالة كتبها ذلك العاشق إلى صديق له، يصف من أمره وأمر صاحبته، ويصور له فيها سحر الحب كما لمسه وكما تركه. وقد عثرنا عليها بعد طبع الكتاب فرأينا ألا تنفرد بها، وهي هذه:)

. . . كانت لها نفس شاعرة، من هذه النفوس العجيبة التي تأخذ الضدين بمعنى واحد أحياناً؛ فيسرها مرة أن تحزنها وتستدعي غضبها، ويحزنها مرة أن تسرها وتبلغ رضاها، كأن ليس في السرور ولا في الحزن معان من الأشياء ولكن من نفسها ومشيئتها

وكان خيالها مشبوباً، يلقي في كل شيء لمعان النور وانطفاءه؛ فالدنيا في خيالها كالسماء التي ألبسها الليل، ملئت بأشيائها مبعثرة مضيئة خافتةً كالنجوم

ولها شعور دقيق، يجعلها أحياناً من بلاغة حسها وإرهافه كأن فيها أكثر من عقلها؛ ويجعلها في بعض الأحيان من دقة هذا الحس واهتياجه كأنها بغير عقل

وهي ترى أسمى الفكر في بعض أحوالها ألا يكون لها فكر ألبته؛ فتترك من أمورها أشياء للمصادفة، كأنها واثقة أن الحظ بعض عشاقها. على أن لها ثلاثة أنواع من الذكاء، في عقلها وروحها وجسمها: فالذكاء في عقلها فهم، وفي روحها فتنة، وفي جسمها. . . خلاعة

وكنت أراها مرحة مستطارة مما تطرب وتتفاءل، حتى لأحسبها تود أن يخرج الكون من قوانينه ويطيش. . .؛ ثم أراها بعد متضورة مهمومة تحزن وتتشاءم، حتى لأظنها ستزيد الكون هماً ليس فيه!

وكانت على كل أحوالها المتنافرة - جميلة ظريفة، قد تمت لها الصورة التي تخلق الحب، والأسرار التي تبعث الفتنة، والسحر الذي يميز روحها بشخصيتها الفاتنة كما تتميز هي بوجهها الفاتن

وكان حبي إياها حريقاً من الحب. فمثّل لعينيك جسماً تناول جلده مس من لهب، فتسلّخ هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>