انتهت المأساة الإسبانية إلى موقف شديد الحرج، فمنذ أسابيع تطوق القوات الثائرة مدريد، وتشدد عليها الحصار والضغط، وتصلى المدافعين عنها والمسالمين من أهلها ناراً تحصد الأرواح بلا رأفة؛ ومنذ أسابيع تضطرب الجمهورية الإسبانية في يد القدر، وتبذل جهود المستميت للدفاع عن حياتها وكيانها؛ وقد لاح مدى لحظة حينما زحف الجيش الثائر على مدريد، وطوقها من معظم النواحي أن مدريد ستسقط تواً، وأن الجمهورية الإسبانية قد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أيام قلائل؛ ولكن الجيش الثائر لقي مقاومة شديدة لم يكن يتوقعها؛ وتدل الأنباء الأخيرة التي وردت ونحن نكتب هذه السطور أن القوى الجمهورية التي تدافع عن مدريد قد عادت إلى الهجوم، واستردت بعض المواقع التي تشرف على العاصمة، وأن الأمل قد يتجدد بإنقاذ مدريد وإنقاذ الحكومة الجمهورية؛ بيد أن مصا ير الحرب قد تتغير فجأة، وقد تقسط مدريد في يد الثوار قبل أن تطلع (الرسالة) على القارئ بهذا المقال.
على أنه يجب أن نلاحظ أولاً أن سقوط مدريد لا يعني ختام الحرب الأهلية الإسبانية؛ ولا يعتبر نصراً حاسماً للثورة العسكرية؛ ذلك أن سقوط العاصمة قد قدر منذ بعيد وبحثت الحكومة الجمهورية كل ما يترتب عليه من الاحتمالات؛ ولن يترتب عليه من الوجهة المادية سوى كسب الثوار لمدينة جديدة، وإن كان يعتبر من الوجهة المعنوية فوزاً له قيمته؛ وما زالت الجمهورية مسيطرة على شرق إسبانيا كله من قطلونية حتى مالقة، وكذلك على قسم كبير من الأقاليم الوسطى والشمالية؛ فإذا سقطت مدريد؛ قامت الحكومة الجمهورية في برشلونة أو في قاعدة أخرى، واستمر النضال مضطرماً بين الفريقين.
ولكن هزيمة الثوار أمام مدريد قد تكون بالعكس موقعة الفصل في هذه الحرب البربرية المخربة؛ ذلك أن قوى الثوار ومواردهم محدودة، وقد دفعوا إلى المعارك الأخيرة بكل قواهم ومواردهم الاحتياطية. فإذا هزموا أمام العاصمة بعد أن لاح لهم أمل الظفر، تفككت قواهم