نقلنا إلى القراء في العدد الماضي خلاصة تلك الفكرة الطريفة التي تتحدث بها بعض دوائر الأدب الفرنسي، وهي وجوب تدخل الدولة لحماية الآداب القومية من منافسة الآداب الأجنبية كما تتدخل لحماية المحاصيل والصناعات القومية، أو بعبارة أخرى وجوب معاملة الثمرات الأدبية معاملة النبيذ والقمح مثلاً من حيث الحماية القومية، وذلك لأن سيل الأدب الأجنبي يتدفق الآن على فرنسا ويهدد مصالح كتابها ومفركيها تهديداً قوياً يظهر أثره في هبوط الدخل الأدبي وقيم حقوق التأليف. وتسالنا ماذا يكون من أمره هذه الفكرة في بلد كمصر؟ وهل نحن في مصر بحاجة إلى بحثها؟ والجواب الذي يتبادر إلى ذهن لأول وهلة هو أن مصر لم تتقدم في ميدان التفكير إلى الحد الذي تستطيع معه أن تكون بدلاً مصدراً يبعث بثمار تفكيره إلى البلدان الأخرى، فهي ما زالت بلداً مستورداً، يستورد أكبر قسط من غذائه الأدبي وينقله عن التفكير الغربي، وان الثمرات الأدبية المحلية ليست في حاجة إلى الحماية لأنها ليست من الكثرة أو القيمة بحيث تتأثر بهذه المنافسة الأجنبية القوية. وهذا صحيح من الوجهة العامة، وكلنا نستطيع أن نستدرك عليه ببعض الملاحظات. وفي رأينا أن الأدب المصري بحاجة الى نوع من الرعاية والحماية المحلية من بعض النواحي، ولسنا نقصد أن تفرض الضؤائب الجمركية أو تتخذ اجراءات لأية حماية ضد الآداب الاجنبية الرفيعة، فنحن في أشد الحاجة لاستيراد هذه الآداب؛ ولكنا نعتقد اننا في حاجة الى إلى الحماية من سيل الأدب الغربي الوضيع الذي ينساب إلى مصر من كل ناحية، تحمله إلينا كتب ومجلات وصحف كتبت لطبقات وبيئات منحطة، وتجد بيننا رواجاً عظيماً؛ وقراء المجلات والصحف الأجنبية هنا يعرفون هذه الحقيقة، ويكفي أن يعرف الناشئون قليلاً من الانكليزية أو الفرنسية ليتهافتوا على اقتناء هذه النشرات الوضيعة الخطرة في معظم الأحيان من الوجهة النفسية والأخلاقية. وهنالك أنواع من الأدب الأجنبي المتوسط أو الخفيف تروج بيينا رواجاً عظيماً، وهذه أيضاً يجب أن يوضع حد لذيوعها على حساب الأدب المحلي والصحافة المحلية لأنها ليست أقوم منها ولا أرفع؛ ثم هنالك سيل الترجمة؛