لا يذكر ذاكر الهجرة إلا ذكر القرآن والإسلام ومحمداً، وهي ذكريات حافلة بالأحداث، موقرة بالانقلابات التي تعتبر مبدأ انتقال عالمي لم يسبق للعهود البشرية أن مر بها مثله.
نعم لأن الانتقال الذي أحدثه الإسلام في جزيرة العرب لم يقتصر عليها، ولكنه تناول العالم كله إما مباشرة وإما بواسطة فكان أثره أبعد أثر سجله تاريخ العلم الاجتماعي للإنسانية من لدن نشأتها إلى اليوم
انتقال في فهم معنى الدين، انتقال في إدراك حقيقة العبادة، انتقال في تعيين أهداف الاجتماع، انتقال في اعتبار مكانة العلم، انتقال في الاعتداد بسلطان العقل، انتقال في تقرير حقوق الإنسانية، انتقال في إقامة الحقوق الطبيعية، انتقال في تحديد معنى المساواة والعدل
انتقالات ذريعة في كل ضرب من ضروب الشؤون الإنسانية سرت إلى العالم كله بتقلب المسلمين في البلاد، فأثرت في مجموع البشرية تأثيراً لا يشتبه بغيره من الانتقالات الأدبية، كان من نتائجها تطور بعيد المدى في كل مجالات الحياة العالمية. فإذا كان الذين استفادوا منه يتثاقلون في عزوه إلى القرآن والإسلام ومحمد فإن أولي العلم يعرفون هذا الحق وقد أعلنوه في مؤلفاتهم (راجع ما كتبه جيبون الإنجليزي ودربير الأمريكي وسديو وجوستاف لوبون وغيرهما من الفرنسيين)
قلنا انتقالات، فأي لفظ أدل من هذا اللفظ على ما نحن بصدده؟
كان الناس قبل القرآن ومحمد يعتبرون الدين ذلاً واستكانة، واستخذاء لذوي المكانة، فلما جاء الإسلام صاح بالناس: ارفعوا رؤوسكم إنما التقوى في الصدر، وعلو الهمة من الإيمان، ولا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)
وكانوا يظنون أن العبادات سخرة، فقال لهم الإسلام: كلا إنها صلة بين المخلوق والخالق، وإنها يجب أن تكون ميسرة غير مرهقة (فقم ونم، وصم وأفطر، فإن لبدنك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، ولزورك (أي زائريك) عليك حقا) أن الرجل ليعتبر عابداً لله في كل فاضلة تصدر منه حتى في اللقمة يرفعها إلى فم امرأته
وكانت الجماعات لا تفكر في المقاصد الأدبية المرجوة من الاجتماع، فلما جاء الإسلام قال