لها: إنما الاجتماع للتعاون على استكمال وسائل البقاء، وهي لا تكون مباركة إلا إذا كان فيها تعاون على البر، وتضافر للتأدي إلى أكمل ضروب الحياة؛ أما التعاون على الإثم والعدوان فليس من شرف الإنسانية في شيء
وكانوا لا يقيمون للعلم وزناً إلا ما صدر عن الذين نصبوا أنفسهم بين الناس وبين الله حجاباً، فقال لهم الإسلام:(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
وكانوا يعدون العقل عدوا للدين، ويتعمدون الخروج على أحكامه مشايعة للذين ربوهم على عصيانه، فقال لهم الإسلام: الدين أساسه العقل، ولا دين لمن لا عقل له
وكانوا يتخيلون أن كل من خالفهم في الجنس والدين واللغة أعداء لا يصح أن تجمعهم بهم صلة، فلما جاء الإسلام صاح بأهل الأرض قاطبة:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). فكان الإسلام بهذا الأصل أول من أوجب أن تكون بين الناس كافة زمالة إنسانية، يتعاونون تحت ظلالها على تحقيق أغراض الحياة العامة، بصرف النظر عما يفرق بينهم من جنس ولغة ودين
وقوَّى هذا الأمر وضوحاً فقال:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)
بل وصاهم بالرحمة ومراعاة قواعد العدل مع أعدائهم الذين قاتلوهم ليفتنوهم عن دينهم، وأخرجوهم من أرضهم فقال:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، وقال:(ولا يجرمنكم شنآن قوم (أي ولا يحملنكم بغضكم لقوم) أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب)
وزاد في التنبيه على وجوب مراعاة الحقوق الإنسانية، فأمر ألا يتعقب المنتصر في الحرب مهزوما، وألا يجهز على جريح وألا يقتل شيخا ولا امرأة ولا طفلاً ولا رجلاً غير محارب حتى خدم المقاتلين، وألا يهدم ديار الأعداء، ولا أن يحرق أشجارهم، ولا أن يعثو فيها فساداً