للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

دراسات في الفن:

. . . والفن زعامة

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

هؤلاء جماعة من أبناء الصعيد العمال في عمارة، وهذان زعيمان متقدمان عليهم. أحدهما هذا الذي استجلبهم من الصعيد ووصلهم بهذا العمل الذي خبره ووقف على سره فهو مرشدهم فيه وقائدهم، والآخر هذا الذي يغني لهم أثناء العمل ما اشتد بهم العمل وما هان عليهم؛ فهو أكثرهم شعوراً بوحشة الغربة، وهو أشدهم شعوراً بوجوب الكفاح في سبيل الرزق، وهو أشدهم تفاؤلاً ورضاً بقضاء الله، وهو أشدهم نزوعاً إلى التعبير عن هذا كله، وهو أقدرهم على هذا التعبير، وأحلاهم فيه

فإذا وازنا بين زعامة المقاول، وزعامة المنشد، رأينا أن زعامة العيش تتستر وراء زعامة الروح والفن استحياء وتخاذلاً ما شبعت البطون، وما جرت الأرزاق في نهجها الطبيعي، وما سار العمل على نمطه المرسوم. فهؤلاء الجماعة من العمال لا يذكرون أن لهم إماماً يتبعونه في الحياة غير منشدهم إلا عند ما يطلبون الأجر أو العمل، وهم فيما عدا ذلك هائمون وراء شاديهم الذي يغنيهم، والذي يستدرج إلى نفوسهم ذكريات الماضي، ويقرب منها آمال المستقبل.

وفي ساعة من الساعات يفيض الشادي بالسحر والحنان والبهجة، فيرشف منها شعبه وينهل، وإذا بجمهور آخر من أبناء الصعيد أيضاً كانوا يمرون في فراغهم بهذا الحشد السكران، فيتجمعون حول الشادين يشدون معهم، لأنهم حنوا إلى الصعيد مثلهم، واستوحشوا الغربة، وذكروا الأحبة وهاجت في نفوسهم الآمال، وطاب لهم هذا الترويح الذي وجدوه فأقبلوا عليه يستروحون. وإن منهم من يقف كالمسحور يهزه الطرب ولكنه يعجز عن ترديد ما يسمع.

وفي ساعة أخرى يمر بهؤلاء الشادين جماعة آخرون شادون ولهم هم أيضاً زعيم يغني على ليلاه وأتباعه يرددون؛ فإذا صادف الغناء الطارئ هوى عند الماكثين فهم أصدقاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>