لما سمعت أن الرسالة كادت تستكمل أعدادها الألف، دهشت وفرحت، كما يدهش من يقال له لقد غدا ولدك شابا، ويفرح به كأنه شبابه لأول مرة، وما ذاك عن جهل به أو إهمال له، بل لأنه لا يزال يذكر مولده وطفولته، ولأنه يراه كل يوم فلا يحس أنه تغير، ولا يدري متى جاوز الطفولة إلى الشباب، وأنا أذكر أبداً فرحتي بصدور الرسالة، وموقف أخي أنور العطار، وقد جاء بالعدد الأول منها فخبأه وراء ظهره، وقال: أحرز.
- قلت: ماذا؟ - قال: الزيات أخرج مجلة أدبية.
إنني أحس من شدة وقع الفرح في نفسي لما قالها كأن قد كان ذلك أمس. . . فكيف مرت الأيام حتى بلغ عمر الرسالة ألف أسبوع؟ كيف مر هذا الأمد الطويل، وكأنه من قصره ليالي الوصال!
ألف عدد؟! كم أنفقت من ذهني في إعداد المقالات لها، ومن أعصابي في ارتقاب وصلها! وكم سألت الباعة عنها؛ في شارع رامي في دمشق، وفي سوق السراي في بغداد، وفي العشار في البصرة، وعلى السور في بيروت، وعند باب السلام في مكة، وعند الجسر في الدير، وفي شارع الملوك في حيفا، وفي كل بلد عشت فيه أو مررت به! وكم قرأت مسوداتها وراء مكتب رئيس التحرير في الإدارة، وأمام الآلات في المطبعة! كانت الأيام عندي السبت والأحد ويوم الرسالة، وكانت تتبدل على المشاهد، ويتغير الرفاق؛ ولكن الرسالة هي رفيقي الدائم! أذكر كل عدد منها، وكل مقال نشرت فيه، وكل مناقشة فيها وكل بحث، وقالت زوجتي أول ما قدمت علي:
- إنني لا ضرة بي، ولكن الرسالة ضرتي.
ثم رأت - وهي من أعقل النساء وأفضلهن - أنها ضرة لا تضر ولا تؤذي.
كم وضعت فيها من قلبي ومن فكري، ومن مشاهد حياتي ومن ذكرياتي، ومن آلامي ومن آمالي، من سنة ١٩٣٣ إلى اليوم.
ألف عدد، وستعيش الرسالة إن شاء الله حتى تبلغ الألف العاشر، وحتى تكون من أعلاق