للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ذكريات المجد!]

وحي دار ابن لقمان

بقلم الأديب محمد فهمي

نحن الآن في ٢٢ صفر سنة ٦٤٧ هجرية، والقصر الملكي بجزيرة الروضة يموج بالأمراء والعظماء والحاشية؛ الكل يغدون ويروحون في ردهاته الفخمة في قلق شديد يكاد لا يستقر أحدهم في مكان، وصاحب الجلالة الملك الصالح نجم الدين أيوب جالس على العرش تضطرب الدماء في شرايينه؛ أعصابه ثائرة، وقلبه يخفق خفقاناً شديداً. إنهم جميعاً ينتظرون النبأ الخطير: نبأ المعركة الدائرة رحاها حول أسوار دمياط. دمياط الواقفة كالسد المنيع أمام الجيوش الأوربية الصليبية وهي تتدفق كالسيل وتحاصرهم بقيادة ملك فرنسا (لويس التاسع). إنها ليست حرب المسيحية والإسلام، وإن سموها كذلك، وإنما هي نضال الشرق والغرب الذي لم يخمد أواره منذ أن كان هناك شرق وغرب؛ هي الحرب بين مصر العظيمة زعيمة الشرق والإسلام، وأوربا بأجمعها؛ هي حرب بين الغرب الطامع والشرق المدافع!

نعم إن أول من دعا إليها هم رجال الكنيسة باسم الدين، ولكن الدين من دمائها براء! فلم يخضها إلا ملك طامع في توسيع ملكه، أو أمير يمني نفسه بالذهب الوفير، أو فقير يطلب المال والغنى من بلاد النفائس والكنوز. . .

وبينما القصر الملكي على تلك الحال من الاضطراب والغليان إذا بفارس قد أنهكته وعثاء السفر أشعث أغبر يلهث من الإعياء ويتصبب عرقاً يقتحم ردهات القصر وطرقاته متخذاً سمته قدماً نحو قاعة العرش. وطلب الإذن بالمثول بين يدي صاحب الجلالة. فدخل الحاجب يعلن قدوم الرسول المنتظر! انتفض الملك في مكانه وحبس أنفاسه كأنما يتهيأ للنبأ الهائل. . . دخل الفارس وألقى بالنبأ الخطير في صوت أجش. فيه شجاعة وفيه ألم. . . مولاي! سقطت دمياط بعد معركة تشيب لهولها الولدان، ودفاع يشرف شهداءنا الإبطال! سقطت دمياط!! كانت هذه العبارة خنجراً مسموماً نفذ إلى صميم قلب الملك. . .

سقطت دمياط! وفي عهدي أنا؟ أبعد أن كان جدي البطل صلاح الدين يدوخ جيوشهم في ربوع سوريا وفلسطين، ويذيقهم مرارة الهزيمة المرة بعد المرة، يجرءون اليوم على الدنو

<<  <  ج:
ص:  >  >>