دعي القرن العشرون قرن المدنية والنور؛ ولقد كانت مفاخر العصور السابقة من طراز آخر غير المدنية وغير النور، فمفهوم (المدنية) لا زال مقروناً بالحرب والدمار، ولا يزال النور مقصوراً على الماديات دون المعنويات. وقد قامت بعد الحرب العظمى هيجة صاخبة أيقظت جميع الشعوب، كان قوامها نهضة أدبية شاملة، لا تزال بقايا منها محتفظة بفعالية ظاهرة. وهانحن أولاء نرى في كل يوم دليلاً جدياً على هذه النهضة الأدبية الكبرى، فيما تستبق إليه المطابع العربية من نشر مؤلفات جديدة لشخصيات أدبية عالية من طراز لم تعهده البشرية قبل الحرب العظمى؛ فكان من الطبيعي أن يثار التسآل عن هذا الأدب وهذه النهضة الأدبية، وما محصولها وقوامها وجدواها؟ وهل الأدب لهو يزجي الإنسان به ساعات فراغه ليعتصم به من مفاسد الفراغ كما يقول الشاعر؟ أو هو ضرورة من ضرورات الحياة المدنية ودلالة على الحياة المعنوية المكتملة؟
إن كانت لهواً فالأدب كالحياة لهو لا مفر منه، وإن كان يفوقها بأنه لهو له جدواه ودلالته، وهي مقصورة الدلالة على أنها لا جدوى لها؛ وهو إحدى ضرورات الحياة الشاعرة المدركة ودلالاتها؛ وبغير فضيلتي الشعور والإدراك لا تبقى من معاني الحياة غير الناحية البهيمية التي يترفع البشر المدرك أن يقتصر عليها. والأدب - وهو وصف الحياة الصادق - مقرون بالحياة ومحمول عليها؛ فإن كانت حياة رفيعة فهناك أدب رفيع، وإن كانت منحطة فأدب منحط؛ وفي هذه الناحية يؤيدنا التاريخ تأييداً لا يستدعينا البرهان
ونعتصم بالتاريخ مرة أخرى فنراه يقول:(إن نهضة من النهضات في الشعوب العالمية لم تتم إلا بعد أن تقدمتها حركة أدبية). وقد سجل هذا التاريخ في صفحاته مجداً لفولتير ورسو كمجد نابليون وروبسبير؛ ولسنا نعني أن الأدب بصورة مجردة يتقدم ظهوره في نهضات