(. . . وقول الحق أمثل من السكوت، واستقامة العالم لا تكون، ولذة الدنيا منقطعة، وخبر الميت غير جلي، إلا أنه قد لقي ما حذر، فأسع لنفسك الخاطئة في الصلاح. . .)
أريد الآن أن أتبين جبرية المعري من أي نوع هي؟ أهي ميتافيزيقية حقاً؟ هل نظر أبو العلاء في الكون فقرر في أحد نصوصه حينما أنكر الاختيار إنكاراً شديداً ما قرره اسبينوزا من أن شعورنا بالحرية في أفعالنا ما هو إلا نتيجة تقدم معرفتنا للأسباب التي تدفعنا، وأن سلوك أي كائن ينتج ضرورة عن طبيعته، كما أن صفات المثلث تنتج ضرورة عن طبيعته كما يقول ليبنتز. وهل نظر أبو العلاء فيما يوجب علينا الجبر؟ أهو هذا النسيج القوي المتلاحم من السبب والنتيجة؟ أم هي قوة تفرض علينا هذا فرضاً مبهماً غامضاً؟ وهل ميز في الجبرية بين اضطرار ميكانيكي يدفع، ولا محيص عما يدفع إليه، وبين دوافع ميكانيكية إن دفعت إلى فعل فلا توجب حدوثه؟
وهل كانت نظرته فلسفية حقاً؟ هل تكلف لها التجريد والارتقاء والقياس والحصر واستنباط الأحكام؟ وهل هو انتهى إلى أحكام ثابتة يمكن أن تضاف إلى الآراء الفلسفية القويمة؟
هل نظر في تقريره الجبرية إلى الناحية النفسية فقال بأن الإرادة تنفصل تماماً عن الشعور والآراء، وإذا كانت الآراء جبرية لا تعدم شعوراً موجهاً نحو غاية فتقتضي لذلك فكرة، والفكرة من أمر ألة حرة العمل؟ هل قرر أن أعمال المرء وليدة مجموعة من الظروف معقدة غاية التعقيد تعين نوع الأفعال الصادرة عن الإنسان؟؟
أو من الناحية الأخلاقية، فقرر على أية أسس إذن يمكن أن تنبني الأخلاق؟ وما هو القول الفصل في التبعات الأخلاقية بأنواعها؟ وما هو الرأي الواضح البين في البعث والحساب والعقاب؟
الواقع أن أبا العلاء لم يتبع البحث العلمي ولا طرقه، بل أن بيئته قد أثرت عليه تأثيراً كان