في المجتمع العباسي طبقات غريبة ظهرت في فترات مختلفة من الزمن، نشأت وتجمعت بسبب عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، ولكل طبقة منها اسم خاص بها، ولها تنظيمات وعادات تنفرد كل طبقة بها دون غيرها. وربما كان لبعضها لغة خاصة. فمن هذه الطبقات الشطار والعيارون والطرارون والظرفاء والفتيان واللعابون والمخنثون والحرافيش والساسانيون والزواقيل، وغيرهم وقد ذكر الجاحظ منهم طبقات كثيرة.
وكانت هذه الجماعات أخلاطاً من مولدي العرب والفرس والترك والروم والبربر والديلم والنبط والجركس والأكراد والكرج وغيرهم من الأقوام الذين زخر بهم المجتمع العباسي.
وقد تغلبت على هؤلاء اللغة العربية، وكان للساسانيين لغة خاصة بهم ذكرها الثعالبي في اليتيمة والخفاجي في شفاء الغليل.
والذي يعنينا من هذه الطبقات هم الشطار والعيارون، وقد سجل كثير من مؤرخي الإسلام أخبارهم وأعمالهم وما قاموا به من قطع الطرق ونهب الأموال وقتل الناس وغير ذلك، ومن هؤلاء المؤرخين ابن الأثير والمسعودي والطبري وأبو الفداء وابن الفوطي وابن الجوزي في المنتظم وتليبس إبليس والتنوخي في الفرج بعد الشدة والأربلي في خلاصة الذهب المسبوك والبيروني في الجواهر والبيهقي في حكماء الإسلام وغير هؤلاء من المؤرخين.
وقد ظهر الشطار والعيارون في مختلف الأمصار الإسلامية، فهم يعرفون في العراق باسم (الشطار) وفي خراسان يسمونهم (سرابدران) وفي المغرب يطلق عليهم اسم (العقورة)، وسماهم ابن بطوطة (الفتاك).
كانت هذه الجماعات ترتزق باللصوصية والنهب وقطع الطرق والتحيل على الناس، وفي الغالب باغتصاب الأموال وفرضها على المدن والمحلات أو الأغنياء. فقد ذكر ابن الأثير (أنهم قسطوا على الكرخ خاصة مائة ألف دينار)، أو أنهم كانوا يهاجمون بيوت الأغنياء ويأخذون ما فيها من المال والجواهر، جاء في المنتظم (. . وكبست دار تاجر فأخذ منها ما قيمته عشرة آلاف دينار)