ومن يوم أن غشى صالون المركيزة دي سابليه، شعر بميل شديد إلى كتابة الحكم والمواعظ، وبد في هذا النوع من الأدب ربة البيت وجاك إسبريه. وهذا أول نجاح صادفه في حياته وبعث السرور في دخيلته. وكان من القواعد المألوفة في هذه المجالس أن الإنسان إذا أراد أن يكتب للجمهور، وجب عليه أن يستنير برأي زملائه. وقد ذكر ذلك سجريه فقال:(كان من الواجب على الذين يكتبون للجمهور أن يطلعوا أصدقاءهم على ما يكتبون لإصلاحه وتهذيبه. وقد اتبع الدوق دي لاروشفوكو هذه القاعدة في مذكراته وفي مواعظه. فكان يرسل إلى ما يكتبه ويسألني أن أحتفظ بالكراسات خمسة أو ستة أسابيع حتى يتسنى له إنعام النظر فيها. ومن هذه المواعظ ما تغير أكثر من ثلاثين مرة)
وكثيراً ما كان يستشير المركيزة ويسألها أن تبدي رأيها فيما يكتب، ومما يثبت ذلك أنه كتب إليها في أحد الأيام يقول:(لا يصح أن تسمى هذه المواعظ بهذا الاسم إلا إذا وافقت عليها. إنك لا تستطيعين إنكارها، لأن الكثير منها يرجع إليك). وقد بلغ من اهتمام المركيزة بهذه المواعظ أنها نقلتها وأطلعت عليها كثيراً من أصدقائها في غيبة المؤلف وجمعت آراءهم في أسلوبها ومعانيها.
وقضى عام ١٦٦٤ في مراجعة كل مواعظه وتهذيب أسلوبها وعاونه على ذلك جاك إسبريه والمركيزة دي سابليه. وفي عام ١٦٦٥ ظهر الكتاب، أي في السنة التي ظهرت فيها قصص لافونتين المشهورة. وهذا الشاعر سيكون موضوع حديثنا في المقال الآتي
وعقب نشر هذه المواعظ، اتجهت المركيزة إلى العبادة وتوددت إلى الدوقة دي لونجفيل، فأعرض عنها لاروشفوكو بعد هذه الصلة الوثيقة التي استمرت خمسة أعوام. ثم شاء القدر أن يقضي أعوامه الأخيرة في هدوء وسعادة، فساق إليه الكونتس دي لافاييت تخلص له الود والوفاء وتهدهد نفسه الحزينة في شيخوخته
وفي عام ١٦٦٧ خاض غمار الحرب لآخر مرة في حصار ليل على الرغم من مرضه. ثم اشتدت عليه وطأة الداء فكف عن زيارة البلاط وراض نفسه على أن يقضي بقية أيامه في