حديثنا الليلة إليكم في الشعر! والموضوع دائر كما تعلمون الآن في كثير من الصحف والمجالس، ولعل الغرابة أن ينال الشعر الاهتمام وتبذل للفن الجهود في زمن مادي أخذته الواقعية المحسوسة، وطغت عليه الوضعية العلمية، وسادت فيه الفكرة الاقتصادية!
للشعر في الإفهام معنيان: أولهما أنه مجموعة العواطف والانفعالات التي تهيجها في نفوسنا أحداث الزمن، ومجالي الطبيعة، ومعاني الوجود، وألوان الحياة، فنقول منظر شعري، وظرف شعري. وثانيهما أنه فن قائم وصناعة عجيبة، يتناول الأهواء المشبوبة بالتنسيق والتأليف والجلاء، ثم يبرزها لغة جميلة تطرب لها الأذن ويهتز منها القلب! وبين المعنيين صلة شديدة وتباين كتابين الرائحة التي تضوع من الزهر، والرائحة التي تضوع من الكيمياء
ومهما يكن من شيء فالناس لا يزالون في لبئس من المعنيين، وحيرة في الشعر والشعور؛ وكان من أثر هذا أن طائفة من الأحكام والنظريات والمؤلفات قد فسدت وغمضت لإطلاق الكلمة والواحدة على معنيين شتيتين وإن اتصلت أسبابهما اتصالا وثيقا!
فالشمس الغاربة، والغاية الوارفة، والقمر الناعم، والبحر العظيم - هذه وغيرها تبعث في الناس حين يستشرقون لها انفعالات وجدانية تختلف في الشدة والمدة والنقاوة والأثر؛ وقد تكون أزمة الهوى، وفاجعة الموت، ونازلة الفقر، أسبابا مباشرة لاضطراب نفسي عميق أو خفيف يلون الشعور، ويشتت المعاش، ويبدل المثل الأعلى! ولكن هذه العواطف الإنسانية المعروفة تغاير ما نسميه (العاطفة الشعرية) ولعل بيان أوجه التغاير والاختلاف لا يخلو من عنت ومشقة، لأنهما في الواقع متحدان اتحادا شديدا ما ينفصل أحدهما عن الآخر أو يبرز له ويسمو عليه، فالعاطفة الشعرية تتصل أبدا بالحب والألم والخوف والغضب، وما