على هذه الصفحات سنكتب تاريخاً موجزاً للنهضة المسرحية في مصر، تلك النهضة التي قامت على أكتاف أبطال وبطلات (فرقة رمسيس) منذ سبعة عشر عاماً حتى الآن. سنكتب تاريخاً لهذه النهضة على غير الطريقة التي يكتب بها التاريخ. هو ليس تاريخاً بالمعنى المفهوم والطابع المعلوم، بل مجرد خواطر وآراء علقت بالذهن ووعتها الذاكرة مدى هذه الأعوام الطويلة. وكان لا بد يوماً من إخراجها للناس، وفي وقتها المناسب، وليس أنسب من هذه الظروف، وقد تهيأت لنا أسباب النهوض بالمسرح، ثم لا نجد من ينهض به، أو يعمل مخلصاً في سبيله!
أليس محزناً للنفس وموجعاً للقلب أن تمنح الفرقة القومية خمسة عشر ألفاً من الجنيهات في كل عام، ثم لا يكون من عملها وإنتاجها إلا أن تسيء إخراج بضع روايات قديمة سبق أن أخرجت للناس في أبهى حلة وأتم نظام وأكمل ترتيب، وأن تسيء كذلك إخراج بضع روايات جديدة هزيلة: هي عناوين للتفاهة والغثاثة، ومفسدة للأخلاق، وموحية بأحط التعاليم وأقبح الآراء؟؟
مما يؤسف له حقاً أن يجد الكاتب لزاماً على نفسه أن يتحدث عن الفرقة القومية كلما تحدث عن المسرح في مصر، مع أنه لو أسقطها من حسابه، وأغفل ذكرها، لما خسر شيئاً يذكر في تقديره للأمور وفي حسابه للأرقام. أما المؤرخ فلن يستطيع هرباً من الحقيقة، وسيجد نفسه مضطراً لتدوين هذه الفترة المحزنة في حياة المسرح المصري. فمنذ كان المسرح في مصر لم ينعم أبناؤه بعهد ذهبي كهذا العهد، ولم تيسر الأمور مثلما يسرت لهم الآن ومع ذلك فأنهم لم يصيبوا من أعمالهم غير الفشل والخسران المبين! ومن العجيب أن يحدث هذا بعد سبعة عشر عاماً من وثبة المسرح المصري على يد فرقة رمسيس التي أنشئت لحساب فرد واحد، ومن غير معونة من هنا أو من هناك، وفي وقت خسر المسرح فيه سمعته،