قلنا في الكلمة الأخيرة: ما هي الطريقة التي تتبع لمعرفة الخير من الشر، ولتحديد المثل الأعلى الأخلاقي تحديداً صالحاً مرضياً من الجميع؟ تساءلنا كذلك بعد أن أثبتنا أن الأخلاق علم من العلوم فيجب أن نسير في دراسته على الطرائق العلمية التي تصل بنا إلى الغرض في غير عوج ولا التواء
على أن الفصل في هذا ليس سهلاً ميسوراً؛ فهي مسألة ولا أبا حسن لها! مسألة اشتجر فيها الخلاف بين المفكرين والفلاسفة، بل لعل الخلاف لا يزال قائماً فيها حتى اليوم. يرى البعض أخذ الأخلاق من الدين - فهو المعين الذين ينقع الغلة ولا يكذب قاصده - أو مما وراء الطبيعة أو من علم الاجتماع؛ ويرى آخرون أنه من الخير أن نتعرف المبادئ الخلقية بأداة المعرفة المباشرة أي بالحماسة الخلقية التي تدرك الخير والشر من نفسها بدون نظر واستدلال:(استفْت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك)؛ بينما يذهب غير هؤلاء وأولئك إلى أن الواجب أن يطبق في الدراسات الأخلاقية الطريقة التجريبية الاستقرائية
الأخلاق الإستنتاجية
من الممكن كما يرى فريق من الباحثين أن نستنتج الأخلاق إما من الدين أو مما وراء الطبيعة أو من العلم الذي تنتمي إليه العلوم وهو علم الاجتماع
بالبحث نعرف أن الأخلاق، أو المبادئ الخلقية العامة، في كل الأديان التاريخية مستقاة من الإلهيات. نرى رجال الدين يقررون أولاً المسائل الخاصة بالله وصفاته وكمالاته، وبالحياة الأخرى ونعيمها وعقابها، ثم يربطون بذلك نتائج خلقية مردها للكتب المقدسة. يقررون أن الله لم يخلقنا عبثاً:(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) وأنه لابد محاسب كلا على ما جنت يداه: (لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت) وأنه لابد من دار أخرى يكون فيها ذلك الحساب على ما أسلف المرء من خير أو شر: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيدا). كما يقررون أن