بعد تولية السلطان الغوري ببضع سنوات، جلس الشيخ (ولي الدين القوصي) الفقيه، في إحدى مسائيات شهر رمضان تجاه مسجد الغوري، الذي أنشأ حديثا في حي الشرابشيين، في حانوت صديق له يمتهن حرفة الحياكة، ويتعاطى صناعة الأدب. . ويدعى (علم الدين الخياط).
خرج (علم الدين) من غمار عاميته بعض الخروج، وأصبح ربع مثقف. ولقد كان رجلا سمح الوجه، رطب الحديث، حسن اللقاء، يحب الأدباء من مجالسهم، ومن أفواههم، خليطا من النكات البارعة، والمحاضرات اللطيفة، والقولات النافعة. ودس نفسه في مجالاتهم، وعانوه عمله على أن يكون له من بينهم عدة من الأصدقاء.
أقبل الناس على (علم الدين) وكثرت زبائنه، فاتسع حانوته وازدان وتجمل. واستطاع أن يحتجز ركنا من أركان هذا الحانوت، ليكون مكانا مطمئنا، وملتقى هادئا، يتداعى إليه أصدقائه.
وكان أجمل ما يكون اللقاء بينهم في تلك الليالي الرمضانية الجميلة التي يحلو فيها السفر والسمر والحديث.
ولقد أعد (علم الدين) بهذا الركن عدة من مصاطب واطئة كساها بالحصير الملون. وربما تجد ببعض جوانبها وسائد وحشيات تلطف الجلسة وتهون أمرها وتسهل إطالتها، بل ربما تغري بها وتدعوا الأصدقاء إليها.
وأنتشر في نواحي الحانوت، القناديل الزيتية النظيفة الوضيئة فأضفت عليه ثوبا جذابا من النور.
وكان (ولي الدين) الفقيه، ممن يفد إلى (علم الدين) ويتردد عليه من آن لآن، ومجالسه في