جميع هذا العالم الأثيري الذي لا نهاية له، بكل ما يطن فيه من سدم وأنجم وأفلاك، وكل ما يروح في كواكبه ويجئ من خلائق وكل ما يسبح في أجوائه من ملائك، ويصدح ملئها من طير. . . كل ذاك، كل ذاك قطرة من بحرك الزاخر أيها القلب الشاعر!
أنت أكرم خلق الله على الله. . . لأنك تتسع لكل ما لا يتسع له غيرك مما صنعت يداه
تتسع لما تضيق به العقول الضالة التي تتعالى فتنكره، لأنها تحصي عليه كل ما عمى عليها فتجعله في منطقها تضارباً. . . وما دام هنالك تضارب فثمة جحود ونكران
تتسع لهذا كله لأنك لا تعرف الحدود، وهي مقيدة بالحدود. . . أنت حر طليق، وهي ذليلة مستعبدة ترسف في الأصفاد والقيود. . .
أنت أكرم خلق الله على الله، لأنك تلجم هذه العقول دائماً حينما تطلق عليها عواطفك فتلسعها كما يلسع النحل، ثم تسائلها ساخرة: ما الحياة وما الجمال وما الحب؟! وما وراءك أيتها العقول؟ منذ الذي يمسكك فلا تكوني هراء وجنوناً؟
منذ الذي يمسك الأرض والسموات أن تزولا؟ وما سر هذا الجمال الذي يبهرك ويورث منطقك البكم، والذي يملأ الأرض والسموات؟ ما سر هذه الألوان التي تذهب الشفق، وتفضض السحب، وتموه صفحة اليم، وأديم السماء بأصباغ البنفسج، وتزخرف بالدمام ثغور الزهر، وتغازل بالسحر خدود العذارى، وتملأ بالفتنة عيون الحسان، وتنضد بالجسمان ثنايا الغيد، وتطبع بخاتم الحسن ثدي الكواعب؟!
ما سر هذه الألوان يا عقول؟
وما سر الجاذبية التي تربط الدنا بالدنا، والعوالم بالعوالم؟! الجاذبية التي هي سر الحياة وبقاؤها، واستمرار الوجود وقيامه؟! الجاذبية التي تشد بين العيون والعيون، وتعاطف بين القلوب والقلوب، وتربط الأرواح بالأرواح؟!
ما سر تلك الجاذبية التي تسيطر على سكان المدينة وسكان الخميلة وما تعج به الغابة، وما يأوي إلى الكهف، وما يخفق بجناحيه في الهواء، وما يتخذ سبيله سرباً تحت الماء؟