أي القلوب يحب كما تحب يا مستودع الشعر، وأيها يرحم كما ترحم، وأيها يضطرب كالعاصفة كما تضطرب حين يحز بك أمر، أو حين تتحرق أسى على الإنسانية الضالة؟
أي القلوب يفيض بالخير والنبل كما تفيض، وأيها يبتسم لما يصيب الناس من سعة كما تبتسم، وأيها يعبس وينقبض لما يؤودهم من شدة كما تعبس وتنقبض؟
إنك تود حينئذ لو استطعت فسحرت لهم الجبال ذهباً، والتراب فضة. . . أو سخرت لهم الريح فأمطرتهم دنانير ودراهم، أو أمرت البحر فحار ماؤه لبناً وعسلاً مصفى!
إلا أنك تعجز أيها القلب النبيل. . . يا أكرم المخلوقات. فيذهب بك صاحبك ليجلس فوق ربوة، أو في منعزل من الناس، لتخفق له، وتغني له؛ وتنظم له ألحانك كي يهديها بعد إلى الناس. إلى الجائعين الظامئين الذين أضرت بهم المسغبة وأذاب أبدانهم الطوى، وأضرت بهم تلك الريح العاصفة التي تلفح الإنسانية الضاوية وتتلقفها بالموت في كل مكان
بيد أنك تعود أدراجك لتبكي يا أكرم المخلوقات، لأن ألحانك لا تخفف من ألم الجوع، ولا تروي من حر الظمأ، ولا تستطيع أن تنسج نفسها ثوباً يرد عادية البرد، أو يصد لفح الشمس؛ ولا تستطيع الأم الفقيرة المعذبة أن تشتري بمعظم قصائدك قدحاً من اللبن لطفلتها الباكية التي يصهر الجوع أمعاءها؛ ولا أن تبتاع بالباقي أرغفة من نخالة هذا العصر الأسود تملأ بها معدات أطفالها الآخرين
طالما يضحك العلماء من أحلامك، والأغنياء من فقرك، وطالما يستهزئ الخبراء في الأرقام بعواطفك التي لا عدد لها، لأنها عداد كل شئ. . .
غير أنك تضحك منهم جميعاً، وتستهزئ بهم جميعاً؛ لأنك تعرف أنهم يعيشون اليوم ثم يموتون غداً، فلا يذكرهم أحد. . . فهم ينتهون كما انتهى ألف مرة الطعام الذي طعموا، والشراب الذي شربوا، والملابس الزاهية التي طالما تاهوا بها ودلوا. . . وكما انتهت الأرقام الضخام التي طالما زحموا بها السجلات
أما أنت فتعيش اليوم، وتعيش غداً، ولسوف تعيش إلى الأبد. تعيش اليوم في أفئدة المعجبين بك، أولئك الذين تواسيهم دائماً بأناشيدك، وترأب جرحهم بأغاريدك، وجفف دموعهم بألحانك، وتبدل جحيم الحياة من حولهم جنات تجري تحتها أنهار - حنانك، وتتفجر فيها أمواه عطفك، وتصدح في أفنانها بلابل شدوك، ويحمل إليهم نسيمها عذب