غنائك فترد إليهم السعادة، وتحيي في نفوسهم الرجاء، وتنعش في قلوبهم خامد الأمل، وتصلهم بعد القنوط بحبل من الله، فتستنير بصائرهم، وتهدأ أعصابهم، وتفيق أرواحهم الخافتة من سكرات الجوع والظمأ والعرى بذكر الله. . .
وأنت تعيش غداً بمثل هذا، ولسوف تعيش إلى الأبد بمثل هذا. ستعيش في قلوب القافلة التي يجد بها السير. القافلة التي ركبها المئون، فيتصل به المئون والمئون حتى يجئ أمر الله. . . ستعيش كما يعيش الصديقون والشهداء وقادة الإنسانية. قادتها إلى الطوبى التي طالما غازلت خيالك، وعمرت أحلامك، ورفت كما ترف الجنة تحت شباة قلمك وفي صميم سويدائك
ألا ما أسفه الذين ضحكوا منك، واستهزءوا بك عند ذاك!
لقد فرغت الدنيا منهم، بقدر ما امتلأت بك، وهبطوا إلى التراب وسموت إلى عليين!
يمشي صاحبك أيها القلب الشاعر كما يمشي الناس في الحدائق والطرقات، ويقف كما يقفون عند شاطئ النهر، وحفافي الغدير، ويرى كما يرون بعينين، ويتكلم بلسان وشفتين، ويسمع بأذنين، وله يد كما لهم أيد تمتد إلى طعام والى شراب والى. . . كتاب
إلا أن صاحبك حينما يمشي في الحديقة يكلم الورد، ويكلمه الورد بلغة قد لا يعرفها الناس وقد لا يسيغونها؛ لأنها لغة صامتة تتفاهم بها الأرواح التي من قبيل روح الوردة وروح الشاعر. . .
ثم هو يكلم كل ما هو في الحديقة، ويفهم عنه ما لا يفهم الناس
إن الحديقة أغنيته الكبرى الخالدة، التي يتنفس فيها كل شئ، ليجاوب نبضاتك، ويرقص على خفقاتك، وليتحد بك
فإذا مشى صاحبك في الطرقات، وثبت إلى عينيه أيها القلب، يا أكرم المخلوقات، وكما تثب إلى مسمعيه، كي تنطبع على شغافك آلام القافلة المتعبة، وتستقر في جوانبك أدعيتها، فتطب لها بما ترقرق من غناء وحداء
أما إذا وقفت عند شاطئ النهر أو حفافي الغدير، فإنك تسبح لله وتثني عليه، فتقبل قطرات الماء لتصلي معك، وتنشد إنشادك، وتتمنى لو تقبل قدميك، أو تقبل فمك، لتمتزج بروحك العلوية التي هي بضعة من الروح الأكبر، وقبس من نور الخلود، ونفس من أنفاس