التعارف سبيل التآلف في الميول والرغبات، والتفاهم على المقاصد والغايات، والأخذ بأسباب المودة الوطنية الأكيدة، وإذا قلت التعارف فلست أقصد ما يجري من ذلك على الأوضاع الرسمية والتقاليد الدبلوماسية، وإنما أعني التعارف الذي تتقارب به الأرواح، وتتمازج فيه العواطف، وتتضامن به الفكر والغايات، فيكون كل فرد في دائرته قبلة صاحبه ووجهته، ويكون الجميع في هذه الدائرة حلقة متماسكة لا تنفصل، وقوة متساندة لا تلين، ووجهة واحدة في تحقيق الخير الشامل والصالح العام
هذا التعارف أحوج ما تكون إليه الأمم العربية، وهي في هذا الطور تنشد الوحدة بين أفرادها، والتعاون بين حكوماتها، والتآلف بين أبنائها، والتضامن القوي الجميع في تحقيق الآمال المشتركة والأغراض المتفقة والغايات المنشودة. وإذا كانت تتلك الأقطار ظلت نحو ربع قرن من الزمان وهي تكافح في هذا السبيل، فإن كل أمة بقيت في هذا الكفاح محصورة في ميدانها، ولم يكن يربطها في ذلك إلا زيارة وزير تجري على الوضع الرسمي، أو نقلة كبير يقوم بها عابر سبيل إن صح أن يكون هذا رباطاً بين الأشقاء الخلصاء.
وفي الفترة الأخيرة فطنت الأمة العربية إلى ما يجب عليها في هذا الشأن من توطيد التعارف وتبادل العواطف، ورأت أن خير ما يؤدي إلى هذا السبيل هو عقد المؤتمرات العامة ليلتقي بذلك قادتها وزعماؤها، وليكون مدعاة تقاربها وامتزاجها بما يتم من تبادل الرأي وتضامن الأفكار في تحليل المسائل الهامة وتذليل العقبات الصعبة، والتغلب على ما يقف في سبيل نهوضها. وإننا لنكتب هذه السطور وقلوبنا مفعمة بالغبطة والبهجة لعقد مؤتمر المحامين العرب الذي دعت إليه سوريا، فتم على صورة رائعة موفقة دلت على الصدق والإخلاص في الأخذ بأسباب نهضة شاملة ووحدة جامعة، ويقظة تملأ النفوس والقلوب، وإذا كانت سوريا قد أحسنت في الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر الهام في هدفه وغايته، وإذا كانت قد أحسنت مرة أخرى إذ دعت إليه جهابذة القانون وعلماء التشريع في