أبنا في مقالنا السابق أهمية ارتباط معاهد التعليم بمصادر الإنتاج وضرورة اتصالها بها اتصالاً وثيقاً يضمن لخريجي هذه المعاهد العمل المباشر بين تلك المصادر بمجرد انتهائهم من عهد الدراسة ومغادرتهم لدورها إلى الحياة العامة
أما الإنتاج فهو في الحقيقة نوعان: إنتاج عقلي وإنتاج مادي. ولا شك في أن الإنتاج المادي، وهو أمر يتعلق برفاهية الأفراد والأمم وثروتها ومجدها الإقتصادي، يستمد قوته ونشاطه وحيويته من الإنتاج العقلي، إذ كلما كان الذهن نشيطاً وكانت الثقافة مزدهرة استطاع العقل البشري أن يبتكر طرقاً جديدة مفيدة في زيادة الإنتاج المادي وإنماء الثروات المختلفة مما يؤدي طبعاً إلى السعة بين الأفراد ورفع مستوى الحياة بين طبقات الشعب. ولذلك نعد الإنتاج العقلي الأساس الذي ينبني عليه عز الأمة وقوتها ورفاهيتها. ولعل هذا كان السبب الذي من أجله اتجهت المدارس المصرية بكل قوتها منذ فجر النهضة إلى دراسة مبادئ العلوم الحديثة النظرية ظناً من القائمين بأمرها أن الإنتاج بنوعيه محصور في ذلك لما هو ظاهر من الارتباط الوثيق بين المدنية الحديثة وبين تلك العلوم العصرية، مهملين بجانب ذلك أموراً حيوية أخرى لا محيص عنها في سبيل الحصول على الثمرة الحقيقة من التربية والتعليم في تلك المدارس، وهي أمور تعني بها العناية كلها جميع المعاهد العلمية في مختلف الأمم المتمدنة. فكان لهذا العمل أثره الكبير فيما نلمسه من الفروق الكبيرة بين شبابنا وشبابهم: فبينما تجد الشاب منهم ينغمس في أعمال الإنتاج بمجرد انتهائه من دراسته، إذا بالشاب المصري يسعى حثيثاً إلى الوظيفة ويفضلها على أي عمل منج آخر، معتقداً أن فيها ضماناً للعيش في هدوء وطمأنينة مهما قلت مواردها، ومهما هزل مستقبلها على حد قول الشاعر:
حب السلامة يثني هم صاحبه ... عن المعالي ويغري المرء بالكسل
ومن ثم نرى الشاب المصري لا يقوى على المخاطرة في الأعمال الإنتاجية لأنه ضعيف العزم قليل الصبر على ما يعترضه من عقبات، يجب أن يصل دائماً إلى نتيجة حاسمة سريعة مما لا يصل إليه غيره في البلاد الأخرى إلا بقوة العزيمة والأناة والصبر والجد