من حق شيخنا الإمام السيد محمد رشيد رضا علينا أن نؤدي بعض ما يجب له من التنويه بفضله، والإشادة بذكره ما أتيحت لنا الفرص وما واتتنا المناسبات. وكذلك من الحق على الرسالة الغراء وقد حملت علم العربية في لغتها ودينها أن تتحفى بهذا الإمام الجليل فتخصه بجانب من عنايتها، وتجعل لآرائه نصيباً من صفحاتها، ومن أولى بهذه الحفاوة منها وهي أحق بها وأهلها؟
هذا ما يجب علينا وعلى الرسالة، لأن هذا الحجة الثبت ليس من كبار علماء عصره فحسب، وإنما هو ولا ريب من كبار أئمة الإسلام على مد عصره، خدم دينه وأمته بما لم يخدمها أحد قبله منذ قرون طويلة، وخلف آثاراً خالدة في دراسة الدين الإسلامي لم يكتب قلم عالم من قبل مثلها - ونحن نعرف ما نقول - وفسر كتاب الله تفسيراً هو معجزته في هذا العصر. إذ لكل عصر تفسير يكشف لأهله عما فيه من أسرار رائعة وآيات بينة حتى تظل حجة الله قائمة ومعجزة رسوله دائمة؛ ونحن فيما نكتب عنه اليوم لا نحاول أن تترجم له ترجمة تحليلية مفصلة تحيط بنواحي عبقريته وتنفذ إلى أقطار إمامته؛ فإن ذلك يحتاج إلى مؤلف كبير برأسه نرجو أن نوفق فيه ويعيننا الله عليه؛ وإنما ننشر بمناسبة مرور خمسة أعوام على وفاته صفحة من تاريخه تصور ناحية من فضله وتظهر قبساً من أعماله يضيء جانباً من عمله
نبت شيخنا الجليل ونشأ في قرية (القلمون) من قرى الشام؛ ولما قرأ القرآن والخط وقواعد الحساب أُدخل معاهد العلم بمدينة (طرابلس)، وبعد أن أتم الدراسة فيها على ما يجري عليه نظام التدريب في هذه المعاهد واستوفى كل العلوم الدينية والأدبية على أكابر شيوخ الدين والأدب فيها هاجر إلى مصر فجاءها في رجب سنة ١٣١٥عالماً دارساً. وكان الذي ساقه إلى الهجرة إلى مصر أن آنس في نفسه أنه يستطيع خدمة دينه وأمته بما أوتي من حدة الفؤاد واستقامة الفكر وما وهب من قوة الإرادة وكمال الاستعداد، وأن ذلك غير مستطاع في بلاده إذ كانت يومئذ بين ماضغي الظلم التركي، وقال رحمه الله في ذلك: