(فعزمت على الاتصال بالسيد جمال الدين لتكميل نفسي بالحكمة والجهاد في خدمة الملة، فلما توفاه الله تعالى إليه وأشتهر أن السياسة الحميدية هي التي قضت عليه ضاقت عليّ المملكة العثمانية بما رحبت وعزمت على الهجرة إلى مصر لما فيها من حرية العمل واللسان والقلم، وكان أعظم ما أرجوه من الاستفادة في مصر الوقوف على ما استفاده الشيخ محمد عبده من الحكمة والخبرة وخطة الإصلاح التي استفادها من صحبة السيد جمال الدين، وأن أعمل معه وبإرشاده في هذا الجو الحر)
وقد أتصل بالأستاذ الإمام محمد عبده من أول يوم هبط فيه مصر وكان معه كما قال رحمه الله:(كاللازم والملزوم اللذين لا ينفك أحدهما عن الآخر) يستزيد من علمه، ويستضيء بحكمته إلى أن صار ترجمان أفكاره والمعبر عن آرائه، ولم يلبث قليلاً في حياته الجديدة حتى أخذ نفسه بما جاء من أجله، فأنشأ مجلة (المنار) وصدر أول عدد منها في اليوم الثاني والعشرين من شهر شوال سنة ١٣١٥ وقد جعل غرضها الأول:
(الحث على تربية البنات والبنين، والترغيب في تحصيل العلوم والفنون، وإصلاح كتب العلم وطريقة التعليم، والتنشيط على مجاراة الأمم المتمدنة في الأعمال النافعة، وطرق أبواب الكسب والاقتصاد، وشرح الدخائل التي مازجت عقائد الأمة، والأخلاق الرديئة التي أفسدت الكثير من عوائدها، والتعاليم الخادعة التي لبست الغي بالرشاد، والتأويلات الباطلة التي شهدت الحق بالباطل، حتى صار الجبر توحيداً، وإنكار الأسباب إيماناً، وترك الأعمال المفيدة توكلا، ومعرفة الحقائق كفراً وإلحاداً، وإيذاء المخالف في المذهب ديناً، والجهل بالفنون والتسليم بالخرافات صلاحاً، واختبال العقل وسفاهة الرأي ولاية وعرفاناً، والذل والمهانة تواضعاً، والخشوع للظلم والاستسلام للضم رضى وتسليماً، والتقليد الأعمى لكل متقدم علماً وإيقاناً الخ)
كان الذي يرمي إليه شيخنا المحدث الفقيه ويدأب عليه في عمله هو (الإصلاح الديني والاجتماعي وبيان اتفاق الإسلام مع العلم والعقل وموافقته لمصالح البشر في كل قطر وفي كل عصر)
وكان رأيه الذي لا ينفك يجاهر به من يوم أن أنشأ فيه مجلته أن الدعوة إلى هذا الإصلاح لا تكون إلا (بهداية الكتاب والسنة، لأنهما مشتملان على كل ما نحتاج إليه لأجل الهداية