وهذه الطريقة في الإصلاح هي التي وضع أساسها موقظ الشرق السيد جمال الدين، وعممها تلميذه الأكبر الأستاذ الإمام محمد عبده رحمهما الله؛ ثم جاء شيخ الإسلام السيد رشيد فرفع قوائمها وأتم بنائها، ولولاه لأندك هذا الأساس وغطاه تراب النسيان. . .
ولم يكن ما دعا إليه شيخنا رحمه الله سهلاً ولا طريقة ميسرة، وبخاصة في مثل الزمن الذي ظهرت فيه دعوته، فقد وجد في سبيله ما يجده المصلحون في أممهم من العنت والأذى، فحورب من نواح متعددة لا يصمد لمثلها إلا كل مصلح قوي، وشجاع كمي. وقد بيّن رحمه الله تلك النواحي التي عادت المنار فقال:
(عاداه المرتزقون بالخرافات والبدع من أهل الطريق وغيرهم، وعاداه علماء الجمود، وعاداه النفوذ الاستعماري الدولي، وعاداه دعاة التغير والتفريج الإلحادي) وقبل ذلك عادته الدولة العثمانية من أول ظهوره وآذته في أهله ببلاده
وكان الذي أثار عليه أعاصير هذه العداوات لتزعزع من أركانه، وتهدم من بنيانه، أن كان لا يألو جهداً في الدعوة إلى حرية الفكر، والاستقلال في فهم العلم الذي لا ينال العلم الصحيح بدونه، وترك التقليد وعدم التقيد بمذهب من المذاهب لأن التقيد بالمذاهب يدعو إلى التعصب لها؛ والتعصب، هو مفض إلى التباغض، ينافي الوحدة الإسلامية، ويخالف نصوص القرآن. وكان هو العالم الوحيد بعد عصر الأئمة المجتهدين الذي يجاهر بأنه لا يقلد في عقائده ولا في عبادته أحداً من الأئمة، فكان لا يعبد إلا الله ولا يعبده إلا بما أمر، وإذا تنازع مع أحد في شيء لا يرد التنازع إلى أحد من الأئمة والمشايخ وإنما كان يرده إلى الله والرسول أي إلى الكتاب والسنة. ولقد كان أشد الناس عداوة له دجاجلة القبوريين من الشيوخ الرسميين الجامدين ومن يتبع نعيقهم من الإمعات الجاهلين الذين هم بلاء الأمم وأرزاء الشعوب
وإذا كان الكلام عن نواحي الإصلاح التي ضرب فيها شيخنا السيد رشيد متعددة والحديث عنها يحتاج إلى مقالات طويلة ودراسة مستفيضة كما أبنَّا من قبل، فإنا نقصر كلامنا اليوم من ترجمته على ما سعى في سبيل إصلاح الأزهر وتجديد الدين الإسلامي. وما انتحينا هذا النحو إلا لمناسبة حركة الإصلاح القائمة بهذا المعهد اليوم، ولأن مجلة الرسالة الغراء